حطاب الحيرة

   أحببت ديوان "حطّاب الحيرة" لزاهي وهبي لسببين رئيسيين. أولهما: صدق الشاعر مع نفسه. وثانيهما: كلمة الاهداء التي زيّنت صفحته الأولى "وكأن هذا الكون فقّاعة صابون، يمتد في صوتك، ويتلاشى في فضاء كلمتك".. وكأن التي أهدتني الديوان أرادت أن تتشاوف عليّ وعلى زاهي وهبي بقوة شاعريتها، وصدق تعبيرها، فوفقت كثيراً لدرجة يعجز معها لساني عن اطراء موهبتها الشعرية.
   من مراجعتي السريعة للديوان، وجدت أن الشاعر يبحث عن "دين ودنيا". دين يوصله الى ربه، ودنيا تزخر بالجنس، لأن الجنس مبارك من الآلهة:
كأن امرأة ضاجعت
جميع القديسين فباركتها الآلهة.
...
أو كأن جميع القديسين ضاجعوا امرأة
ف ب ا ر ك ت ها ا لا ل... (ص13).
   لا يهم من ضاجع من!!.. فالآلهة ستبارك العمل، ومن يدري فقد يتحول فخذ المرأة المومس الى عتبة هيكل في معبد، من شدة البركة:
فخذها الموحل
عتبة هيكل في معبدنا
ثمة كاهن هرم
يضيء شمعدان منتصف الليل
ومغنية تتعرى عند المحراب. (ص 15).
   الرفض الديني لا يتوقف عند شاعرنا، والهزء بالطقوس يتصاعد تدريجياً حتى يصل الى القمة في قصيدة "سورة النساء" حيث:
.. ربّت الاله على "قفا الانبياء"
كي ينزل سورة النساء. (ص22).
   زاهي وهبي في "حطّاب حيرته" لا يؤمن إلا بالمرأة، يناجيها، يراودها عن نفسها، ويعدها بالحب:
حين أحبك أكثر
سيجثو إله على ركبتيه
مثل قديس خاطىء
سوف يشتهيك الانبياء
وتغمر الكون سحابة الفرح.
سيولد ألف كسيح
وتحبل كل النساء وأحبك أكثر. (ص 45).
ملحوظة: أريد أن أعرف هنا "هل ستحبل النساء بدنس او بلا دنس؟".
   والى أن يأتيني الجواب، سأعود الى "حطاب الحيرة" لأفتّش عن اللحظات التي تدوم، ولماذا تدوم:
اللحظات التي تدوم
متى تضحكين،
مثل اله يسوق قطيعاً من الملائكة. (ص 19).
   مساكين هؤلاء الملائكة، فبعد حياة الزهد التي عاشوها على هذه الارض، يتحوّلون في الحياة الآخرة الى قطيع يساق بالعصا. كما يتعرّضون الى مراقبة شديدة اين منها مراقبة الجواسيس لبعضهم البعض، لان الزلازل تقع في حالتين:
حين يمارس ملاك
عادته السرية
او حين يرتجف ردفك
مثل أرنب مذعور
تطارده ذئاب جائعة (ص 49)
   علينا أن ننتبه جيداً الى تركيب العبارات المجبول بالسخرية الدائمة، وكما قلت فالمرأة عند زاهي وهبي أهم من جميع الانبياء والملائكة والقديسين، وطوبى للمرأة التي سيقع اختياره عليها لأن:
من رآها أو شبّه له
وإن مات فسوف يحيا. (ص 14)
   ولكي يقربها بنا، ويعرفنا عليها، نجده يصفها بايجاز:
تفوح من نبرتك المشتهاة
رائحة الشتوة الاولى
بخور الكنائس العتيقة
كأن رعشة لذيذة
تسري من الخشب المقدس
الى عظام القديسين. (ص 38)
   السخرية في الديوان أقوى من الصور الشعرية ذاتها، وهذا ما جعله يتميّز عن غيره من الدواوين التي صدرت في آونة ما بعد الحرب اللبنانية، فالشاعر الذي "يغافل حزن الاصدقاء، ويمضي كمن يمشي على الماء"، جدير بأن تتحوّل سخريته اللاذعة الى اطراء، لأنه وفّق بها وأجاد.
النهار، العدد 692، 14/3/1991
**