
1ـ رؤى النفي والعودة في الرواية العربية الفلسطينية.
2ـ .. والأبناء يضرسون.
3ـ ربيع لم يزهر
ولشدة فرحي بها لم أعد أعرف من أين أبدأ. وعن أي موضوع أكتب، فكل ما في الكتب رائع، ومصقول بعناية فائقة، إن كان في الأبحاث الأكاديمية أم في السرد القصصي.. الى أن أوصلني حظّي الى قصة محزنة جداً، قرأتها عدة مرات، عنوانها: "أمومة أخجلتنا".
نجمة حبيب في قصتها هذه تصفع أمتها العربية دون رحمة بأفعال جعلتها تتراكض أمامنا كعقارب سامة: ماتت.. انتحرت.. كفرت.. يئست. هذا ما حصل لـ"صفية" الأم المسكينة التي خطفوا ابنها الوحيد "علي".. "وكلنا يعرف أن صفيّة ترملت وعلي دون الثانية من العمر"، ورفضت، رغم صغر سنها، أن تتزوّج ثانية، بل أرادت أن تهب عمرها لفلذة كبدها.

ولكي تغرقنا نجمة أكثر فأكثر بمستنقع ألم "صفية"، أخبرتنا أنها "كانت على استعداد أن تبيع لحمها ودمها كي يعود علي".. ولكن دون جدوى. و"يوم إثر يوم تغور صفية في عزلتها، تهزل حنى تكاد تمسي نصف ما عهدناها، وتساءلنا، ترى ماذا يدور بعقل صفية؟".
صفية، عند نجمة حبيب، هي صورة مصغرة لملايين الأمهات اللواتي خسرنَ أبناءهن، لأسباب لا حصر لها، معظمها مخجل ومقرف، في شرق لا هم له سوى سلب الأطفال من أحضان الأمهات.
لماذا خطفوا علي؟
ما جريمته؟
هل لأنه ينتمي الى بلد معين.. أم الى طائفة معينة؟
فالخطف ما كان ليتم إلا لأسباب طائفية: قف، من أنت، الى أي طائفة تنتمي؟ هذا ما كان يدور على الحواجز أثناء الحرب اللبنانية اللعينة، وأعتقد أن نجمة عاشت الكثير من أهوالها، ومن يدري فقد تكون هي "صفية" أو إحدى قريباتها.
ورغم هجرة نجمة حبيب من فلسطين الى لبنان الى أستراليا، ورغم مرور عشرات السنين على خطف "علي بن صفية"، نجد أن القصة تتكرر اليوم بشكل أكثر دموية، وأشد فتكاً.

ولأنها خسرت الأمل برجوع ابنها، الذي هو "العقل" لأمتها العربية، قررت الخروج من لعبة التجاذب الطائفي والعقائدي والسياسي، والخلود الى الراحة. أجل لقد انتحرت صفية.. "ماتت.. كفرت.. استشهدت.. لم يعد يهم".
أمومة صفية لم تخجلني أبداً، لا بل جعلتني أصفّق لها كبطلة، والدموع تنهمر من عينيّ، كونها، ساعة انتحارها، قد نحرتنا جميعاً.
نجمة خليل حبيب وهي تكتب، تتقمّص شخصيات أبطال قصصها، لدرجة تجعلك معها ضائعاً بين الحقيقة والخيال، لتتمكن، بأسلوبها الأخّاذ، من الاستيلاء على جميع احاسيسك.
شربل بعيني