عيب أن ينحدر مستوانا الإعلامي إلى هذا الدرك المخجل، وأن نجبر على الرد على من يتهجم علينا، بأسلوب نرفضه، بعد أن رفض ردّنا الأول عليه بأسلوب أدبي راقٍ، وعاد إلى لغة المراحيض والبول والمزابل التي لا يتقن غيرها.. هذه اللغة التي يرفضها القارىء المثقّف ويدينها في آن معاً. وكنت أتمنى على صديقي موريس عبيد أن يجيبني بنفس الأسلوب الراقي، حتى نبتعد قدر الإمكان عن المهاترات والإتهامات السوقيّة الرخيصة، التي تسيء إلى صاحبها قبل أن تسيء إلى الآخرين.
وصدّقوني أنني لعنت الأدب والصحافة والصداقة والذوق والإنسانيّة وأنا أكتب ردّي هذا، على من كنت أعتبره (صديقي). فبئس الزمن زمن يخلع فيه الإنسان وجه ربّه، ليتقنّع بوجه شيطان رجيم. وإليكم الردّ:
عاد العنكبوت الصغير (مرّوسي) إلى حياكة خيوطه الهزيلة، في غربة قرفت من وجوده، لاصطياد أمير أدبيّ أعطى الغربة دون منّة، إسمه (شربولي).
والأمير (شربولي)، شاء العُنيكب أم أبى، حصل على إمارة الأدب بعرق جبينه، فغار منه صديقه (مرّوسي) الّذي ادّعى أنه كان يصحّح أشعار الأمير في بيته الفخ، الّذي دخله (شربولي) رافع الجبين، وخرج منه وهو يجرّ أذيال خيبته. فالبيت ليس بيتاً لبنانياً صميماً، كما كان يعتقد، قيمته بضيافته، ونبراسه احترام من يدخله. فلقد كان فخّاً لاصطياد الأبرياء، والتشهير بهم.. إذ أن من عادة (شربولي) أن يناقش أعماله الأدبيّة قبل نشرها، وأن يقلّبها على جميع جهاتها، وعندما استمع إلى بعض آراء (مرّوسي)، كما استمع، من قبل، إلى مئات الآراء، لـم يكن يعلـم أن هذا الأخير، يعاني من عقدة الأستذة، بعد أن أفنى عمره في الحراسة. ولو كان يعرف نوايا العنيكب الخبيثة، لما زاره، ولما ناقشه، ولما احترم رأيه. فالأخوان رحباني كانا يستعينان بسعيد عقل لمناقشة أعمالهما، أما أنا فأوقعتني غربتي بين يدي سعيد بلا عقل. فقولوا أللـه..
(مرّوسي)، يعترف أن (شربولي) أمير، ولهذا أقسّم أن لا ينام قبل أن يعيده إلى حجمه الحقيقي، فانفتق كرشه وهو يحاول الإنقلاب على الحقّ، ولكنه فشل أشد الفشل، وبقي، من أتته الإمارة، أميراً، لأنه جدير بها، رغـم تواضعه وامتناعه عن استعمال اللقب إلاّ عند النكايات، كونه يؤمن بقول جبران: "ليست قيمة الإنسان بما يبلغ إليه، بل بما يتوق للبلوغ إليه". و(شربولي) يؤمن بخطّه الأدبي، وأن الصغار لا يتطاولون إلاّ على الكبار، وأن (مرّوسي) يمثّل دور الضفادع التي تكلّم عنها جبران حين قال: " قد يكون للضفادع أصوات أعلى من أصوات البقر، ولكنّ الضفادع لا تستطيع أن تجرّ السّكّة في الحقل، ولا أن تدير دولاب المعصرة، ولا يمكنك أن تصنع من جلودها أحذية".
حلم (مرّوسي) الوحيد أن يصبح أستاذ الجالية، وعندما فشل أصبح (شتّامها)، ففرح بلقب (شتّام) أشد الفرح، كيف لا، وهو الّذي يفتّش عن الألقاب، التي لـم يغدقها عليه أحد، والحمد للـه، وراح يحلم بمن يهدّده بالموت، ليصبح بطلاً قومياً، بعد أن نبذه بنو قومه، ففتّش عن الرجال في جاليته، فوجدهم منهمكين بأعمالهم، ولا وقت عندهم لتهديده، فجنّ جنونه ، لأنه يريد أن يستدر العطف، وأن يصبح (سلمان رشدي) الجالية، فما كان منه إلاّ أن اتّهم الأمير (شربولي) بتحريض بعض النسوة لشتمه عبر الهاتف، ولتهديده بسفك دمه!!. فهل من سخافة أشد من هذه السخافة، وهل من اتهام باطل يطاله القانون الأسترالي أكثر من هذا الاتهام. لا واللـه.
العديد من محبّي أدب (شربولي) طالبوه بإقامة دعوى قضائيّة تنقذ الجالية من أفخاخ هذا العنكبوت المريض، وتضع له حدّاً، ولكن الأمير (شربولي) رفض هذا الطرح بتاتاً، وردد قول المطران المرحوم عبده خليفة: الكلاب تنبح دائماً على العظماء، أفلا يحق لي بجروٍ صغير!!.
العنكبوت الصغير (مرّوسي) لا يريد أن يفقّس كتباً توصله إلى المجد كالأمير (شربولي)، لأنه يخاف على عبقريته من ضربة شمس، فتركها تنتن، وراح يشتم "الذين شرشحوا قدسيّة الكلمة وعهّروا الأدب)، وتناسى، لانفصام شخصيته الأدبيّة، أنّه كان من أوائل الذين كتبوا مقدّمات الكتب (التي تضجّرت منها رفوف المكتبات). ولكي لا يفوته قطار (الشهرة) في هذا المهجر التعيس، عمل كذاك الذي كسر مزراب العين، وبدلاً من أن يترحمّوا عليه، لعنوا ساعة مولده.
(مرّوسي) الصغير، دائماً على حق، فإذا قال لك: أنا أشتم الشتّامين. قل له: آمين. وإذا قال لك: أَنا أكثر المحسودين. قل له أيضاً: آمين. أما إذا قال لك: أنا أصدق الصادقين. فاحمل أمتعتك واهرب إلى مهجر آخر. لأنك إذا عارضته، ستتعرّض لرذاذ لعابه، وسيتهمك بتقليب الناس عليه، وبإرسال النساء الجميلات لاغتياله.
أمّا إذا أردت أن تردّ عليه بأسلوب راقٍ ومقنع، لأنّك تكره المهاترات، كونك لـم تولد لها كما ولدته أمّه، فلسوف يردّ عليك بكل ما تجود به المراحيض، والمزابل، وبول الدجاج وجنون البقر. هو هكذا، فإيّاك أن تغيّره. رجلاه أطلتا قبل رأسه، ولهذا نادراً ما يستعمله.
يتهمني العُنيكب بالترحل إلى أصدقاء لي في مجاهل الأرض للحصول على لقب (أمير)، ويتناسى كعادته، أن قريبـي جو بعيني كان رئيساً أعلى للجامعة الثقافيّة في أستراليا، وأن قريبـي الثاني كلارك بعيني ما زال أمين سرّ الجامعة الثقافيّة في مالبورن، ومع ذلك لـم أدنّس شرفي الأدبي بسؤال أحدهما عن خدمة صغيرة، فكم بالأحرى، (صك إمارة) لا يحصل عليه إلاّ من يعرفه العظماء من (ألفه إلى يائه)، حتّى لا يتبدّل كالحرباء، كما يتبدّل هو في كل لحظة.
لماذا لا يسأل (مرّوسي) الصغير، رئيس رابطة إحياء التراث العربي الأستاذ كامل المرّ، إذا كان (شربولي) قد طلب منه (جائزة جبران)؟.
لماذا لا يسأل السفير جان ألفا، قنصل لبنان العام الأسبق في سيدني، إذا كان (شربولي) قد طلب منه (جائزة الأرز الأدبيّة)؟..
ولماذا لا يسأل كل الذين منحوا (شربولي) جوائزهم التقديرية وكرّموه في لبنان وأستراليا وباقي المهاجر، إذا كان (شربولي) قد طلب منهم ذلك؟
لماذا لا يسأل الأديب السوري محمد زهير الباشا، وكامل المر، وكلارك بعيني، ومي طبّاع، ونجوى عاصي، وأحمد حمّود، وغيرهم.. إذا كان (شربولي) قد طلب منهم أن يكتبوا كتبهم عنه؟
لماذا لا يسأل مئات الشعراء والأدباء الذين أحبّوا شعر (شربولي) وكتبوا عنه آلاف القصائد والمقالات.. إذا كان قد طلب منهم ذلك؟..
ما من أديب أو شاعر، إلاّ ومجّد شعر وأدب شربل بعيني، ولكن ولا واحد منهم تنكّر لكلماته كما تنكّر (مرّوسي) بسبب انفصام شخصيّته الأدبيّة.
(مرّوسي) يريد أن يستفتي بعض الأدباء المطرودين من إمارة (شربولي) بسبب تذبذبهم ووصوليتهم وكذبهم ونفاقهم وتعاليهم ودسائسهم، لينطبق عليه وعليهم المثل القائل: من مثلنا فليأت لعندنا. وشرطه الوحيد أن "لا تتدخل الجحافل التي تحيط بك وتهدّد بسفك دم سلمان رشدي الجديد". .. أللهم إشهد.
أتفهم، يا (مرّوسي) ما معنى هذا الكلام؟ أم تريدني أن أفهّمك معناه بطريقة قانونية، قد تجعلك مسخرة الأجيال، وتجبرك على الإعتذار الفوري من (شربولي).. لقد عرضت كلامك على محامٍ يقرأ ويفهم العربيّة، كي لا أترجمه له، ولكي تفهم ما قال، إذهب إلى محاميك واعرض عليه كلامك، لتدرك مدى قساوته ولؤمه..
(شربولي) كما يحلو (لمرّوسي) أن يناديني، لا يهدد أحداً، ولا يتوّعد أحداً، ولا يسفك دم أحد.. لأنه لـم يدخل الأحزاب، ولـم يشجّع الميلشيات، ولـم يتهجّم على أحد.. أمّا إذا كنت تختلق القصص كي تنال منّي، وترسل لي من يربّيني، على طريقة ضربني وبكى، سبقني واشتكى، فلقد أوقعت نفسك بين يديّ من حيث لا تدري. أمّا إذا كنت صادقاً بما تقول، وأنهم شتموك، وهددوك، وتوعّدوك.. ففتِّش عن أصدقائك، أولئك الذين يمدحونك إثر كل تهجّم، ويتصلّون سراً بأصحابهم وصاحباتهم ليهدّدوك، كما ادّعيت، ويرفعوا ضغطك. أو أنّك، وهذا ما يتهامس به العديد من أبناء الجالية، تهجّمت على العديد من الشرفاء، وأصبح أعداؤك أكثر من شعيرات شواربك.. وأنت تعرف ذلك.. وكلنا يعرف ذلك. فصحّح مسلكك مع الآخرين، وتوقّف عن اتهام الأبرياء مثلي، كي لا تعرّض نفسك لملاحقة القانون والضمير.
هناك إمارة واحدة تليق بك، بعد كل هذا التهجّم، والإتهامات الكاذبة، إنها (إمارة قلّة الأدب).. فألف مبروك يا صديقي الأمير!!
**