ديوان أسرار للشاعر سمعان زعيتر

   أول مرة سمعت فيها الشاعر سمعان زعيتر كانت في حفلة تكريمية أقيمت على شرف الأباتي شربل قسيس رئيس الرهبنة المارونية يومذاك.
   وأذكر كيف أن شعر سمعان قد أثّر بي وجعلني أعيش بعالم غير العالم الذي اعتدت أن أعيشه من قبل، فقلت لمن حولي من الرفاق: هذا شاعر بحق.
   ومع الأيام توطدت الصداقة فيما بيننا، وأصبحنا نجتمع مداورة، فيسمعني وأسمعه آخر ما جادت به قريحتنا الشعرية، فكنّا والحق يقال، أول رابطة قلمية مؤلفة من شاعرين فقط، كيف لا، ونحن معاً نصحح خطواتنا الأدبية من حيث لا ندري، فأتقبّل منه، ويتقبّل مني النقد بروح رياضية قلما تجدها في هذا المهجر البعيد.
   وها أنا حباً بنشر أدبه وتعميمه، تجدني أسهر مع سمعان الليالي الطوال، من أجل اعداد ديوانه الجديد "أسرار" بحلة تليق بأدبنا المهجري الصاعد رغم الوسائل القليلة المتوفرة لنا لطباعة الكتب.
   وفي ليلة أنارها القمر ولد ديوان ابن زعيتر الذي ضمنه أسرار حياته من حب وعذاب ولوعة ومواقف سياسية وطنية، ناهيك عن فلسفته الوجودية، وصدق حبّه للآخرين. لنأخذ مثلاً:
بحبك بحبك أكتر من الكل
وعم شوفك بعيني ورد ع الحل
مهما عليي سيوفك تسلّي
من محبتك لا بضجر ولا بمل
   أجل، فشاعر مثل سمعان لن يضجر من الحب لأن الحب هو القوة التي تفجّر أحاسيسه الشعرية، فكيف يتخلى عنه، ويستسلم لليأس والحزن والضياع، وفي مملكته الأدبية قاضٍ ينصفه ساعة يشاء:
شكيتك لقاضي العينين
ما حبسك إلا يومين
وبعد اليومين طلعتي
قلب الـ حبّك قطّعتي
من نظره وحده شطرين
   الفلسفة الدينية في شعر ابن زعيتر تفوح كما الياسمين في نوّاره، انها تعطّر شعره بعطر الهي، لأنه يدعو الجميع الى التسليم لمشيئة الله تعالى:
صدق ما بيبقى إلا
الرب العالي المتجلى
ونفسك ما بيسوى تذلا
إلا ع محبة ألله
ولا تفرّق بين دين ودين
   وهل احلى من هذا التساؤل:
كيف السما بالنور ضاويها
والأرض بالخيرات كافيها
ودودة البـ الصخر خالقها
ألله دخيلو وما قطع فيها
   أما اذا تطرّقت الى وطنية سمعان زعيتر وأثرها الفعّال في بوتقة أسلوبه الشعري، فحدّث ولا حرج، لأن سمعان الطفل الذي ترعرع في "بان" القرية الشمالية المجاورة لأرز الربّ، وشرب من مياهها العذبة، وتزحلق على روابيها الغناء، واستلقى على مروجها الخضراء، وتنشق هواءها المنعش، من الصعب أن ينساها حتى وان فاجأته المنية، فقد أوصى الحبيبة:
لا تزعلي وساعة مماتي عيّدي
بس في عندي وصيّة عاطفي
وهالوصيه ما بيسوى تخالفي
ان مت وين ما مت بحياة الوفا
ودّي ادفنيني بـ "بان" حد السيّده
   ولنسمعه يناجي وطنه لبنان، ويتعبّد له، كما يتعبّد للباري تعالى:
أنا يا موطني لبنان بحلم
فيك وبعبدك من بعد ألله
وشو نفع الأنبيا والناس كلاّ
بلا أوطان وشعور وموده
   وما نفع المهاجر الذي ترك بلاده، وسافر الى آخر أقطار الدنيا إذا لم يتزوّد بمحبة كمحبة سمعان زعيتر لوطنه لبنان.
   ديوان "أسرار" سيغيّر مسار الادب المهجري في أستراليا. سينفض عنه الغبار الذي تراكم من إهمال بعض المسؤولين اللبنانيين للنهضة الأدبية، وعدم تشجيع أربابها حتى ولو عن طريق ارسال رسالة تقدير، أو شكر، تكون بمثابة جواب لما تلقوه من كتب.
   فإلى الأمام يا سمعان، ووفقك الله، ونحن بانتظار جديدك دائماً.
صوت المغترب 1982
**