حنا ومي الطبّاع صنوان لا يفترقان

اتركوني في زوايا الانطواء
انني أكره نصر الجبناء
   هذا البيت من الشعر حفظته وانا بعد في لبنان، ولم أكن أدري أن قائله هو الشاعر حنا الطبّاع، والد الأديبة مي الطبّاع، التي لم تقدر "زوايا الانطواء" من حجب عطاءاتها الكثيرة، التي قدّمتها لأبناء جلدتها المغتربين، المشردين على ارصفة الموانىء، وقاعات المطارات، وكأني بها تثأر لوالدها من "الجبناء" الذين عناهم بقوله:
لم أجد فيكم شجاعاً واحداً
يشهد الحق ويرنو للسماء
   والآنسة مي، رغم تمتعها بثقافة عالية جداً، وبموهبة شعرية ورثتها عن المرحوم والدها، مؤسس منتدى عكاظ الأدبي في مدينة "بانياس" الساحل، في أوائل الخمسينات.. فلقد أثبتت جدارتها في الحقل الاعلامي ايضاً، من خلال اطلالتها المشرقة عبر أثير البرامج العربية المتعددة.
   وأعترف، امام الله والناس، انها الوحيدة التي فكرت جدياً بتوصيل أصوات أطفالنا الصغار الى كل أذن مغتربة، فعملت على نقل مسرحياتي المسجلة على اشرطة فيديو الى حلقات اذاعية، ينتظرها الصغار والكبار على حد سواء.
   أجل، لقد تمكنت هذه الزهرة الكفرحلدية، بحاستها السادسة من معرفة متطلبات الجالية، وانقاذ اطفالها، ولو لدقائق، من مشاهدة البرامج التلفزيونية المقيتة المفروضة علينا وعليهم، إذ نقلتهم من إعلام الاجرام الى إعلام الفضيلة والخير، مطبقة بذلك قول والدها:
الفن للنفس يحييها وينعشها
هذا اذا كنت يا انسان إنسانا
   وكم ستنتعش روح شاعرنا اللبناني حنا الطبّاع، حين يعلم ان ابنته مي، بدأت تطلق قصائده الخالدة من اعتقالها الزمني، لترتمي في أحضان النور الذي خلقت له. وها هي تبدأ بقصيدة يقول مطلعها:
سوق من العمر نادانا وأحيانا
عكاظ فيك يطيب اليوم لقيانا
   وتأبى إلا أن تهديها "الى جميع الادباء والشعراء والفنانين والصحفيين في المهجر، أولئك الذين يقدسون الكلمة، ويقدرون العطاء الانساني". لأن والدها، رحمه الله، حيّاهم بقوله:
أيرقص الروض إلا حين يسمعنا
ويسكر الشط إلا حين يلقانا
الفجر لم يبتسم الا لبسمتنا
والليل لم يستمع إلا لنجوانا
والتاج لا ينحني الا لرايتنا
سبحان من كرّم الفنان سبحانا
   آه.. يا شاعرنا الكبير، لو تعلم كيف يتعامل الناس هنا، لاستثنيت غربتنا من التكريم، فمعظمنا ينطبق عليه قولك:
كلكم يعبد رباً واحداً
هو حب الذات، رب الكبرياء
   واذا كنت في شك مما أقول، اسأل ابنتك، تصدقك القول؟ أما ليست هي من ضحت في برامجها الاذاعية الهادفة من أجل خير الناس أجمع؟ فإذا بها تحاصر بالعديد من أبناء قبيلة "حب الذات" على حد قولك. وكيف يستمر عطاء أديبة كمي في غابة يحكمها "رب الكبرياء"؟. ناهيك عن أرباب الثرثرة الفارغة، والحسد، والجهل، والادعاء.
   نحن مع مي الأديبة والشاعرة والمذيعة، لأن مي معنا، في أفراحنا وأتراحنا، تتعملق أنّى كانت، وكيفما اتجهت. وفية بين قلائل، آلت على نفسها نصرة أدبائها وشعرائها المهجريين، الذين يرددون صباح كل يوم قول والدها:
وأجمل اللحن لحن صاغه ألمٌ
فجملّي الكون يا آلام دنيانا
   مي طباع لحننا الادبي الأجمل، كتبه على صفحة حياته سيد من أسياد الفن الادبي، فلها منا أطيب التمنيات.
البيرق، العدد 589، 17/12/1992
**