الثرثرة في الندوات الأدبية

   لا أحد يكشف الثرثارين في الندوات الأدبية مثل المتكلّم على المنبر، فهو يراهم واحداً واحداً وهم "يتوشوشون" بخبث أثناء إلقاء كلمته، ومع ذلك لا يفاتشهم احتراماً لهم، في حين لم يحترموه هم، وللأسف.
هناك عدة أنواع من الثرثارين أخطرهم صاحب الدعوة، الذي يتنقل من طاولة الى طاولة مرحباً بضيوفه، بينما أنت تلقي كلمتك مادحاً إياه،  وكأنك تمدح حائطاً لا يسمع، فإن لفتّ نظره الى ذلك، أجابك بكل وقاحة: لا تهتم، سأسمعك على الفيديو. هكذا والله.
وهناك الثرثار المشارك في الندوة، فما أن ينتهي من إلقاء كلمته، حتى يبدأ بالتشويش على من سيتكلّم بعده، كي لا ينجح أكثر منه، وينال تصفيق الحضور.
أما المثقف الثرثار، فهو الأكثر في جاليتنا، إذ ما أن يخطىء أحدهم لغوياً، فينصب الفاعل، أو يرفع المفعول به، الى آخره، حتى يبدأ حضرة جنابه بوشوشة جاره بغية فضح المتكلّم، منهياً ثرثرته بابتسامة خبيثة. وإن أنسى لا أنسى يومَ توجّه نحوي أحد المتكلمين وصاح:
ـ يا استاذ شربل، هل رأيت ذلك المعاق الحقود، وهو ينمّر عليّ وأنا أتكلم.. لعنه الله ما أرذله.
وهناك أيضاً الجمهور الثرثار الذي يأتي الى الندوة من أجل تمضية الوقت، وملاقاة أصحابه، فينزوي في ركن ما، ويبدأ بالصهيل والنباح، وكأن المتكلّم على المنبر خيال صحراء، كما يقول المثل، غير عابىء بوجوده، أو بكلامه. وقد حدث مثل هذا الأمر في إحدى المناسبات، إذ بدأ بعض المدعوين بالتنكيت والضحك بصوتٍ عالٍ أثناء إلقائي لقصيدتي، فما كان من صاحب الدعوة، وكان اسمه روحانا رحمه، رحمه الله، إلا أن طلب مني التوقف عن الكلام، وأخذ من يدي الميكرفون وصاح:
ـ لقد احترمتكم حين دعوتكم الى حفلتي، فما عليكم سوى احترامي والاصغاء أثناء الكلام، فإن لم تحترموا رغبتي هذه، أرجوكم مغادرة القاعة.
عندها ساد صمت قاتل، فإن رميتم الإبرة تسمعون رنّتها، ليتضح بعدها أن الجوقة الثرثارة لا تفهم العربية إطلاقاً، ولو لم يترجم أحدهم كلام "أبو أنطوني" لها، لطردت دون رحمة.
نعم، هناك بعض المتكلمين المصابين بالاسهال الخطابي، أو بمرض الميكرفون، الذين يدفعون المستمعين الى التململ والضجر. وهناك أيضاً عريف الاحتفال الذي ما أن يمسك بالميكرفون حتى يتطاير لعابه فوق رؤوس المستمعين لساعات، وكأن لا أحد غيره سيتكلم، مما يدفعهم الى الثرثرة بغية التخلص منه، وهذا حقّهم.
لذلك، وجب علينا التعاون من أجل إنجاح جميع ندواتنا، فالشاعر أو الأديب، أو الاعلامي، الذي يمضي الليالي الطوال من أجل تحضير ما سيتحفنا به من أدب راقٍ، أقل ما يجب فعله هو الاصغاء إليه. وفقكم الله.