إنفصام الشخصيّة الأدبيّة عند موريس عبيد

ـ1ـ 
   أولا، أحبّ أن أؤكد للقرّاء أنني ما هاجمت أحداً قط طوال حياتي الأدبية، وأنني تجاهلت الكثير من التجريح، ولسان حالي يردّد: (اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون). 
   ولكن، وبعد أن أصبحت (همّاً وكابوساً) لبعض الذين يدّعون صداقتي قبيل شتمي، فلقد وجدت من حقّي أن أردّ عليهم، ولو مجبراً، حتى أنقذهم من همهم (الشربلي)، وأزيح عنهم كوابيس ليلهم الإغترابي الطويل. وإليكم الدليل:
ـ2ـ
   عام 1993، وفي حديث عناكبه، كتب (الصديق) موريس عبيد ما يلي: "أحد الكتبجيّة وضع كتاباً للطلاّب المبتدئين، مضمونه (درج عرج)، فقدمه بإهداء إلى زوجته، يحاشر إهداءات جبران خليل جبران إلى ماري هاسكل، وانبرى معجبون بكاتب آخر، فطالبوه بأن يتحوّل بيته إلى متحف على غرار متحف جبران في بشري.. رحم اللـه الحياء.. رحم اللـه جبران).
   وكما يعلم الجميع، فكلمات موريس عبيد هذه، الصديقة جداً جداً، تغمز من قناة أبناء مجدليا المقيمين والمغتربين، وتتهمهم بقلّة الحياء!!.. لا لشيء، سوى لأن مختار بلدتهم السيّد الياس ناصيف أبي خطّار، قد أعلن في الثلاثين من حزيران 1989، وفي يوم محمد زهير الباشا بالذات، أن " التفكير يدور حول وضع اليد العامة على البيت الذي ولد فيه شربل بعيني، ليتحوّل فيما بعد إلى متحف يضمّ أول ما يضمّ نتاجكم أنتم يا أدباءنا المهجريين".
   وبما أن "الصديق" موريس عبيد لـم ينشر كتاباً واحداً، كي تضمّه مجدليا إلى نتاج أدبائنا المهجريين، فقد ثارت ثورته وكتب ما كتب. ولست أدري لماذا لـم ينشر هذا "العبيدي" قصائده في كتاب، نقدر أن نرجع إليه وإلى عبقريته الأدبيّة، كلما تهجّم علينا وعلى (تفقيس الكتب) في جاليتنا. وصدقوني أن المسألة ليست مسألة بخل، بل أعتقد جازماً أن قصائده لـم تينع بعد.
ـ3ـ
   وفي العام ذاته، أي 1993، عاد (الصديق) موريس عبيد إلى مهاجمة "همّه الشربلي"، بأسلوب الذئب الذي التهم جدّة الفتاة الصغيرة ذات الثوب الأحمر، وقرّر أن يلتهمها ولو انشقت الارض وبلعت من فيها. فكتب في (حديث عناكبه) ما يلي: " عندما تنقد عملاً شعرياً معيّناً وتكون صديقاً شخصياً لصاحب هذا العمل، لا يعني هذا أنك تناصب صديقك العداء، فكل ما ينشر للقارىء سلباً كان أم إيجاباً يصبح ملكاً للقارىء. فمن هذا المنطلق أرى من واجبي أن لا أترك المناسبة تمر دون تعليق لأن الضمير المصلحي لا يرضى بذلك".
   إلى هنا، بإمكاننا أن نعتبر هذا الكلام منزلاً، نظراً لمحبّته وتسامحه وقوة سبكه وقدسيّة معانيه. ولكننا إذا تابعنا القراءة، نجد أن موريس بدأ يتلاعب بكلامه، ويقتطع من قصيدتي الطويلة "قرف" كلمات نابية إذا نشرت لوحدها، وشاعرية إذا بقيت ضمن سياقها الشعري. وكأنه يذكّر المؤمنين بما قاله اللـه تعالى في كتابه، فاقتطع من الآية التي تقول: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، أول ثلاث كلمات: لا تقربوا الصلاة.. ونشرها مجزوءة لغاية في نفس يعقوب. وإليكم بقيّة كلامه:" ففي إحدى القصائد لشاعر صديق.. وإنني أعني هذه الكلمة بما تحتوي من معنى.. يقول: يعضّوا البز.. وحكّاما بتقلاّ: طزّ.. الأمه الحاكمها بهلي.. ومن برّا ضروب يا خرّا.. (هذا الكلام ليس لي، إنه مثل شعبي معروف).. الغربه البزقتنا حكايه.. الحريه فهمناها ساكس.. وساكس الحريه أمراض.. محمد صفّى إسمو ماكس.. تفرنج تا يزوبن فيّاض.. ونجيبه بيبسطها راكس.. الكلب البتركبلو حفاض".
   كل هذا، ولـم يذكر الصديق الصدوق إسم مؤلف القصيدة، تماماً كما فعل في التهجّم الأول.. ولكي يؤجج الشعراء والكتّاب ضدّي، راح يعظهم، كالحجاج بن يوسف، ويصيح من على منبره الوهمي: " فيا معشر الشعراء والأدباء والكتّاب، إتقوا اللـه، إتقوا الذوق والجمال، إتقوا القارىء، لأن للكلمة حرمة وللمنطق الشعري حدود".
   بربكم، ألـم تعجبكم خطبة حجاج هذا العصر؟.. ألـم تضرم نار الثورة في أجسادكم الإغترابيّة الطريّة، بلى واللـه، لذلك أرجوكم أن تحفظوها جيّدا، لأنني سأعود إليها عندما أصل إلى تهجمّه علي عام 2000).
   وبعد أن انتهى موريس من خطبته العرمرميّة، إلتفت إلى (صديقه) شربل بعيني، دون أن يتنازل ويسمّيه، وراح يقول ودموع محبّته تتفجّع على خدّيه: " ولصديقي أقول: حافظ على مستواك الشعري ولا تنزلق أكثر.. والسلام لمن اتبع الهدى".
   قولوا معي بصوت واحد: آمين.
ـ4ـ
   ولكي يتمسّك (الصديق) موريس عبيد بصداقتي أكثر فأكثر عام 1997، انتهز فرصة فوز أحد الإعلاميين المهجريين بجائزة شربل بعيني، وكان على عداوة معه، وراح يهاجمه في (حديث عناكبه) ليهزأ في نهاية المقال من شربل بعيني ومن جائزته، التي زيّنت صدور العديد من أبناء الجالية، والظاهر أن موريس انتظرها ولـم تأت إليه، بل أتت إلى من يكره، فسكب جنونه على الورق.. 
   قد تتساءلون، وهذا من حقّكم: لماذا تركته يتمادى في التهجّم عليك، دون أن تحرّك ساكناً؟
   في المرّة الأولى، دافع عني أبناء جمعيّة مجدليا في أستراليا في مقال نشرته جريدة التلغراف بعددها الصادر في 14 تموز 1993. وفي المرّة الثانية، دافع عنّي كل الأدباء والشعراء الذين دعاهم للوقوف ضدي. ونشروا مقالاتهم وقصائدهم العديدة في معظم الصحف والمجلات الصادرة في أستراليا. وفي المرّة الثالثة، دافعت عني مقالات الفائزين بجائزة شربل بعيني لعام 1997، وخاصة كلمات ذلك الصحفي الذي طاله التهجم قبل أن يطالني.
   هذا يعني أنني لـم أهاجم موريس عبيد، ولـم أفكّر يوماً بمهاجمته، لأن ما كتبه عنّي عام 1986 في مقدّمة كتابي "رباعيات" لـم يكتبه أحد من قبل. ولو تذكّر موريس ما قاله في شربل تلك السنة، لفكّر وفكّر وفكّر قبل أن يكتب حرفاً واحداً ضدّي. فتعالوا معي:
ـ5ـ
   عام 2000، وفي مقال شوّه الصفحة الثقافية في جريدة التلغراف، عادت حليمة إلى عادتها القديمة، ولكن بشكل سافر، لـم يترك للستر غطاء.. ولا للحوار صفاء.. فلقد جن جنون الصديق موريس عبيد عندما وصله نبأ تتويج شربل بعيني أميراً على الأدباء اللبنانيين في عالـم الانتشار اللبناني لعام 2000، من قبل المجلس القاري للجامعة اللبنانية الثقافيّة في العالـم ـ أميركا، وراح يشرّح حيثيّات الجائزة بلؤم زائد، لا يمت إلى أدبنا الاغترابي بصلة، وإليكم ما كتب: "أن تقول الرسالة أن شربل بعيني "أصبح قدموس الثاني في التراث الفكري والثقافي والحضاري الذي أعطاه للعالـم، هذا العطاء الذي أمامه يتضاءل كل عطاء..." فإلى قدموس الثاني نقول: هذا عيب، وهذا استهتار بأهل الفكر والأدب، وهذا جنون يجب أن لا يطرح في مجال الأدب".
   وأعتقد أن الاستاذ جوزيف حايك الرئيس القاري للجامعة الثقافيّة في العالـم، لو قرأ ما كتبه عنّي صديقي يومذاك موريس عبيد، لاستبدل عبارته تلك بهذه العبارة الصادقة التي زيّن بها موريس عبيد مقدّمة الطبعة الثانية من ديواني رباعيات الصادر عام 1986، فاقرأوا، بربكم، ما كتب، واحكموا: من مدح شربل بعيني أكثر؟.. يقول موريس: "فشربل بعيني هذا الشاعر الانسان، الغزير العطاء، المرهف الحس، شاءه اللـه أن يكون المترجم الأمين والناقل الصادق، روعة كونه الصغير إلى المجتمع الذي ترعرع وعاش في صميمه".
   تعالوا نحلل، من هو الأسمى مقاماً، أقدموس الثاني، كما لقّبني رئيسنا القاري؟ أم ذاك الذي شاءه اللـه أن يكون المترجم الأمين والناقل الصادق روعة كونه الصغير؟.. أعتقد أنكم تعرفون الجواب!
ـ6ـ
   ويستهجن موريس عبيد هذا المقطع  من رسالة المجلس القاري حول شربل بعيني: "وحدود أرضه قد ضاقت بطاقاته، فراح يوسع حدوده إلى أقمار الدنيا" ويبدأ بفلسفته على ذوقه، فيستنجد بجبران خليل جبران ومخائيل نعيمة، ويقول:"فهذا الكلام، في رأينا، ربما يقال لجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وليس لشربل بعيني".. وتناسى أنه قال بشربل بعيني ما لـم يقله المرسلون باللـه تعالى، ولو قرأ أصغر متديّن في العالـم، أياً كان دينه، جملة واحدة من مقدمة الطبعة الثانية لرباعيات التي كتبها موريس ذاته، لكانت كافية لإعدامي وإعدامه، فكيف يحق له أن يتهجّم على الآخرين وقد بزّهم مديحاً وتأليهاً لشربل بعيني؟، وإليكم ما كتب: " في وطن الأرز تتبعنا شربل، فرأيناه يترع القطر فيمتلك الدائرة. كان يلهث فتتفجّر البراكين، ويتأوّه فتسمع للريح عويلاً. يحب فتختلط الملائك بالشياطين، وإذا اكتأب تساقطت مواسم الأعياد كأوراق أيلول، وتلوّت السواقي وجعاً وأنيناً".
   إذن، فشربل بعيني، بقلم موريس عبيد، يترع القطر فيمتلك الدائرة!
شربل بعيني يلهث فتتفجّر البراكين!
شربل بعيني يتأوّه فتسمع للريح عويلاً!
شربل بعيني يحب فتختلط الملائك بالشياطين!
فتصوّروا كم كان موريس عبيد سنة 1986 يؤمن بمعجزات شربل بعيني وكم تغيّر في العام 2000.. فبربكم هل قال أحد لجبران أو لنعيمة مثل هذا الكلام؟. 
   أخيراً، يقول موريس: "إذا اكتأب شربل بعيني تساقطت مواسم الأعياد كأوراق أيلول، وتلوّت السوّاقي وجعاً وأنيناً". وصدّقوني أنني مكتئب أشد الاكتئاب لأنني دافعت عن  كلام جميل وصلني على حين غرّة من المجلس القاري للجامعة اللبنانية الثقافيّة في العالـم، بكلام جميل كتبه عنّي عام 1986 صديق دخلت بيته، وأكلت زاده، وعزّاني بموتاي، وعزّيته بموتاه، وكان اسمه موريس عبيد.
   أما ما قاله موريس بشأن الكتب والجوائز والأوسمة، فلن أرد عليه، لأنه لـم ينشر كتاباً بعد، ولـم يحصل على (تنكة) واحدة نقدر أن نزرّك له بها. عسى الأيّام تعوّض هذا النقص الفادح من تقدير (اصغر رئيس جمعية) له.  
   ولكنني سألفته إلى أن الشاعر الذي ألقى المادة الشعريّة بين الدجاج، حسب تعبيره، لتبعثرها دواجن الشعر فوق المزابل، هو ذاته شربل بعيني الذي "لا يخاف الكلمة، بل يعجنها ويصقلها لتأتي طوّاعة بين يديه، فيسخّرها لغايته التي هي غاية الشعر في النتيجة" حسب تعبيره أيضاً، في مقدمة رباعيات.
   لقد مدحت شربل بعيني كثيراً في تلك المقدّمة يا موريس، فكيف تناسيتها، وكيف تجرأت على إلغائها، وهل يعقل، بعد كل هذه السنوات المرهقة بالإنتاج، أن نتراجع إلى الوراء أم أن نلتقط المجد. أنا التقطته يا موريس، فأين أنت من المجد، ما دمت تجر أدبنا المهجري إلى الوراء، إلى المزابل، إلى دجاج الشعر الذي يبول كل يوم على أجنحة نسور الشعر؟! وتناسيت، كما تناسيت مقدمة رباعيات، أنك قلت: إتقوا اللـه، إتّقوا الذوق والجمال، إتقوا القارىء، لأن للكلمة حرمة". فأين حرمة الكلمة وأنت تمرّغ جبينها وجبين أدبنا المهجري، إثر كل خبر سار يصلنا من الخارج، بين المزابل وبين بول دجاجاتها! إتقِ اللـه يا موريس، لأن انفصام شخصيتك الأدبية ظاهر للعيان، وما عليك سوى المقارنة بين موريس الأمس وموريس اليوم.
   هناك إجابية واحدة في مقال موريس التهجمي الأخير، إذ أنه وافق على لقبي الجديد (أمير الأدباء اللبنانيين في عالـم الانتشار اللبناني لعام 2000)، ولـم يتهجّم عليه، وكيف يتهجّم عليه؟ وهو من لقّبني به عام 1986، عندما قال عني في مقدمة رباعيات: " ينام شربل وفي عينه قافية، ويفيق وفي بؤبؤ الثانية رباعية. إنه المتأرّق دائماً وأبداً، ينام ولا يرتاح. إنه إبن الشعر، إنه إبن الأرق".
   شربل بعيني، بنظر موريس عبيد، إبن الشعر. أي أنه وريثه الأول والأخير، وبما أن الشعر هو سيّد الفنون الأدبية، وبما أن للأدب إمارة، فسيكون شربل بعيني أوّل من يتوّج عليها، وهذا ما حصل فعلاً.. وهذا ما ستفتخر به الجالية اللبنانية في أستراليا، إذ أنها أعطت للأدب، في عالـم الإنتشار اللبناني، أوّل أمير. فلنبتهج ولنعمل معاً من أجل تتويج أمير جديد من مغتربنا هذا كي لا تضيع الإمارة من أيدينا كما ضاعت بلادنا، ونندم ساعة لا ينفع الندم.
**