مجلّة الجذور.. في سنتها الأولى

   جميل جداً أن تجد من يشاطرك هموم الجالية الثقافية والأدبيّة، والأجمل من ذلك أن تجد من يتحمّل تكاليف هذه المشاطرة بفرح واندفاع.
   وها هو الصديق الجديد علي أبو سالـم يزوّدني بأعداد (جذوره) الضاربة في أعماق الدنيا، والحاملة على منكبيها تراثاً أدبياً أعرق من الأهرام، وأعتق من بابل، وأشرق من مدينة الشمس بعلبك.
   جذور.. اسمها يدلّ عليها، والويل لأمة تتخلّى عن جذورها، أو تتلاعب بها، أو تقتطع منها، فلسوف تنهار أمام أعين التاريخ وتصبح مضحكة الأجيال.
   والجذور، كما يقول أصحابها: نشرة دوريّة تعنى بالشؤون الثقافيّة في أستراليا. وأنها مجلّة الثقافة العربيّة في أستراليا. وبعد أن تصفّحتها، بأعدادها الأربعة، وجدت أن أصحابها لـم يعطوها حقّها من التقريظ والتبجيل، إذ أنها مدّت رجليها خارج بساطها، وطالت بالإضافة إلى أستراليا كافّة الاوطان العربيّة والمغتربات. 
   فالعدد الأول خصّص لأمير شعراء العربيّة الحديثة نزار قبّاني، الذي افتقدت رنّة صوته الدافىء التي كانت تنساب إلى أذنيّ، أسبوعيّاً، عبر الهاتف.. (ليفش) خلقه لي، وليشتم حكّام أمّة عربيّة، لا يتقنون سوى اغتيال معارضيهم، ولا يتخلّون عن مناصبهم إلاّ إذا وافتهم المنيّة!  
   والعدد الثاني خصّص لرحيل الشاعر عبد الوهّاب البيّاتي، ذاك الذي حمل خيمته على ظهره وراح يتنقل بها من بلد إلى بلد. وقد أخبرني، رحمه اللـه، في إحدى رسائله إليّ، أنه أعجب بهذه الأبيات الشعريّة التي أختارها من ديواني رباعيّات:
سكران وحدي بغربتي سكران
ومسكّر بوابي بوجّ الناس
بحاكي كراسي البيت والحيطان
وبصير أتخانق أنا والكاس
   وقال لي: أكتب، فالكتابة تساعدك في التغلّب على غربتك. وها هو يموت غريباً، ويدفن غريباً.
   كما وجّهت بالعدد الثاني التفاتة تاريخيّة لشهيد الكلمة غسّان كنفاني، أول من نشر لي في مجلته (الهدف)، ديواني يوميّات مراسل أجنبي في الشرق الأوسط.
   أما العدد الثالث.. فلقد تربّع على غلافه شاعر الإبداع والرقّة المرحوم نعيم خوري، ذاك القابع في تراب الخلود، بينما نحن نحار أين ندفن أتربتنا التعبة منّا.
   وأخيراُ، العدد الرابع.. فلقد أشرقت على غلافه ابتسامة البروفسور فيليب سالـم القائل: ويل لانسان لا تربطه محبّة بأخيه الإنسان وبالأرض. وعلى ذات الغلاف أضاءت الجذور شمعتها الأولى، ولسان حالها يقول: الأفضل أن أضيء شمعة من أن ألعن الظلام. وها هي شمعة الجذور تتحول إلى شمس مفرحة، وهبت فرحها للعديد من شعراء المهجر، وأدخلتهم العالمية من خلال شبكة الإنترنيت التي تشرف عليها. فسنة حلوة يا جذور.. أغنّيها من القلب.. وعقبى لمئة سنة بإذن اللـه.
   الجذور.. يجب أن تبقى، لا حبّاً بالشهرة، بل رحمة بنا نحن أدباء وشعراء المهجر في أستراليا. فمدّوها بنسغكم كي تنمو أكثر.. وكي تنعشكم أكثر.