سنة 1992، وفي جريدة النهار المهجريّة، نشر الصديق شوقي مسلماني مقالاً يمتدح به عبدكم المسكين، عنوانه: (نعود إلى شربل عندما نفتقد الشرفاء)، وأعترف أن المقال أعجبني، دون أن أعلم، واللـه وشوقي يشهدان على ذلك، أنه يغمز من قناة الشاعر الصديق فؤاد نعمان الخوري، وكيف أعلـم، وشوقي لـم يذكر أحداً بالإسم، كما لـم يصرّح لي عندما شكرته على المقال، أنه مدحني ليدغدغ به صديقاً مشتركاً، أعرف مدى حبّ شوقي له ولشعره.. ومدى احترامي اللامتناهي لأبي طوني؟!.
وشاءت الظروف أن أعيد نشر المقال (المشكلة) كافتتاحيّة لديواني (قصائد ريفيّة)، وأن أهديه، كالعادة، لفؤاد، مع كلمة إهداء تليق به وبمحبّتي له. فثارت ثائرة فؤاد، وراح يتّهمني بأنني وراء نشر المقال. ففوجئت، واللـه فوجئت، وحزنت، واللـه حزنت، بأن أصبح طرفاً في نزاع بين شخصين صديقين، يعلم اللـه مدى احترامي لهما. فأقسمت لفؤاد بأنني لـم أكن أعلم بأن المقال يطاله، ولكنه، وللأسف، لـم يصدّقني. فحبست الألـم في صدري سنوات عديدة، توقّفت خلالها عن النشر، وعن إهداء كتبي لأي كان.
وها هي فرحتي المعتقلة تعود إليّ بعدما قرأت، منذ أسبوعين، في جريدة الهيرالد، العدد 211، مقالاً بعنوان (أميرة)، أشاد به الشاعر فؤاد نعمان الخوري بصديقه البلدي شوقي مسلماني، الذي (ضحكته بلديّة، وكذلك السلام والعناق والسؤال عن الأحوال)، فصحت بأعلى صوتي: عظيم.. عظيم.. هذا ما كنت أتوق إليه. لا لشيء، سوى لتظهر براءتي أمام أعين الحقّ، وأنني لـم ولن أغدر بصديق من أجل مجد دنيوي عابر.
توقّف يا شوقي عن الضحكات البلديّة، واهمس في أذن أبي طوني: شربل بريء. عندها ستفقع ضحكتي أيضاً، تماماً كما كان يحبّها فؤاد القائل في ديوانه (رندح يا وجع): كلما فتحت قنينة شمبانيا بتفقع ضحكة شربل بعيني.
وبما أن الحديث عن الاتهامات الموجهة إليّ، دون أن يكون لي أي دخل بها، قد أخذ طريقه إلى النشر، أخبركم أن فقيدنا الغالي الشاعر نعيم خوري قد اتّهمني أيضاً بأنني وراء تعيين حفلة الصديق أنطوني ولسن في نفس الليلة التي أقامت بها رابطة إحياء التراث العربي حفلة توقيع كتابه، وممسكه الوحيد عليّ هو أنني ألقيت كلمة في حفلة أنطوني!!. فحمدت اللـه، على أن مشاكلي تقع مع الأحياء، وأن الحقيقة لا بد ستنتصر. وصدّقوني أنّها انتصرت، لأن أنطوني ولسن أخبره أن لا دخل لشربل، ولأن نعيم خوري، رحمه اللـه، كان يعلـم أن شربل لا يحارب أصدقاءه.. مهما تقلّبت الظروف.
كما لا أنسى كيف اتهمني العديد من شعراء المهجر وأدبائه، بأنني أقف حجر عثرة في طريق منحهم جائزة جبران من قبل رابطة إحياء التراث العربي، وها أنا قد تركت الرابطة منذ سنوات طويلة، فلماذا لـم يحصلوا بعد على تلك الجائزة؟!
وقد لا أذيع سراً إذا قلت إن البعض منهم قد جرّدني من إنسانيتي، غير عابىء بصداقتنا، وبالخبز والملح الذي يجمعنا، همّه الوحيد نيل الجائزة.. أو بالأحرى استعمالي لنيل الجائزة.
بقي أن أذكر أن أهضم صديق عرفته عاود الاتصال بي أسبوعيّاً، بعد جفاء دام سنوات، بسبب التسابق على من نشر أول كتاب في أستراليا، وكلنا يعلّم أن الكتاب المطبوع في لبنان يسجّل في لبنان، والكتاب المطبوع في أستراليا يسجّل في أستراليا، وإلاّ لاعتبرنا الشاعر سمعان زعيتر أول من نشر كتاباً في أستراليا، كونه نشر ديوان (صوت الوفا) في لبنان ووزعه في أستراليا عام 1960. وكم فرحت عندما قال لي ذلك الصديق العزيز: الزعل معك يا شربل بعيني أشرف من صداقة العديد من الناس لأنك ابن أصل. ومَن غير الشاعر عصام ملكي يقدر على التلاعب بمشاعري بكلماته الجميلة وبنكاته الرائعة.. وبأشعاره الخالدة.
وحدها الحقيقة لا تموت، ووحده التاريخ قادر على كشف الحقائق.