انا الأم الحزينة

 كانت تجلس على شرفة منزلها، ويدها الناعمة تسند خدّها الناضج كتفاحة حمراء، قطفها لتوّه فلاح لبناني، ما تعوّد يوماً إلاّ على الرزق الحلال.
   وكان أخونا يوسف مارّاً بطريق الصدفة من أمام منزلها في إحدى مناطق سيدني، المكتظّة بأبناء الجالية اللبنانيّة، فسحرته بجمالها الفتّان، ونفذت إلى حنايا قلبه نظراتها الخلاّبة. كما أثّر به كثيراً حزنها المرسوم على قسمات وجهها الطفولي، وكأنها (موناليزا) جديدة من لحم ودم.
   حاول أن يلفت انتباهها بشتّى الطرق والأساليب، فتنحنح أوّلاً، وسعل ثانياً، وزحط ثالثاً، حتى كاد يفكّ رقبته، وحضرة جنابها ما زالت شاردة في عالـم غير هذا العالـم، تأرجح نظرها على أراجيح أفق لا يحدّه نظر.
   وفجأة، خطرت على باله فكرة اعتبرها رائدة في عالـم اصطياد الصبايا. ألا وهي فكرة الغناء تحت الشرفات، فوقف قبالتها رافعاً يديه، كما كان يفعل زميله روميو مع حبيبته جوليات، وصاح بصوت عالٍ كأنه دوي طائرة نفّاثة اخترقت جدار الصوت:
ـ أنا الأم الحزينة..
   وقبل أن يكمل المقطع الثاني من الترنيمة الكنسيّة الشهيرة، التي يرتلّها المسيحيّون يوم الجمعة الحزينة، أجابته بصوت أعلى من صوته وأبشع:
ـ ليت أمّك هي التي تحزن عليك..
   فانشقت الأرض وبلعته.