من القلب

إبراهيم سعد.. ومناجاة علي
   أمام حشد من أبناء الجاليات المختلفة، وفي يوم المسنين، قرأ الصديق إبراهيم سعد في مكتبة ريفروود العامة، المزمور السادس من ديواني (مناجاة علي) المترجم للإنكليزية والفرنسية والإسباني. والأوردية.
   وها هو يبشّرني برسالة استلمتها منه أن إلقاءه بالإنكليزية كان رائعاً (فقد أوتيت هدوءاً ملحوظاً في الأداء ووضوحاً في القراءة، وأؤكد لك أن قراءتي الشعرية قد سرقت الأضواء.. وأن السرور يتملّكني لأنني تمكنت من التحدّث عن صديقي الاستاذ شربل بعيني أمام المجتمع الأسترالي لإظهار مواهبه الشعرية المليئة بالعواطف والمقاصد النبيلة).
   طالما أن اللـه قد منّ عليّ بأصدقاء أوفياء كأبي سعادة، فهذا يعني أن حظيّ يفلق الصخر، كما يقولون، وأدبي حي لن يموت. شكراً يا إبراهيم.
**
النصر لنا.. النصر لنا..
   من منّا لـم تشق صرخات بهجته عباب السماء، حين رأى الأعداء يتهاوون تحت ضربات المقاومة اللبنانية، وغبار أرجلهم يحجب الرؤية، وأشرطتهم الشائكة تعيد ترسيم الحدود بفزع مضحك.
   لقد ثأرت المقاومة اللبنانية لأكثر من 10 ملايين شهيد من جيوش الأمة العربية، سقطوا على أرض التحرير، دون أن يحرروا قنّ دجاج واحد!
   وحدها المقاومة الجنوبية البطلة عرفت كيف ترعب العدو، وكيف تذلّه أمام أعين الشرق والغرب. فلقد محت بدمائها الطاهرة أسطورة التفوّق العسكري الصهيوني، ودوّنت مكانها أسطورة النصر اللبناني. فهنيئاً لنا بالنصر، وهنيئاً للجنوب بأبنائه العائدين، وهنيئاً للبنان بمقاومته المشرّفة، وصدق أبو القاسم الشابي حين قال:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر
   وها هو القدر قد استجاب.. وها هو الوطن يعود لأهله بكامل ترابه. عقبى لمزارع شبعا بإذن اللـه.
**
هاتفي مشغول
   صدّق أو لا تصدّق.. هاتفي مشغول، والحمد للـه، طوال النهار والليل، إذ أن أحد الأشخاص يتصل بي يوميّاً، وما أن أرفع السمّاعة حتى يقفل الخط. ورغم أنه يعيد الكرّة تلو الأخرى بسرعة متناهية، وكأنه خبير عتيق بإزعاج الناس وبضرب أرقام التلفونات، إلاّ أنني لا أنزعج منه، بل أقع على ظهري من شدّة الضحك. ولِـم لا؟ وقد رزقني اللـه شيئاً أتسلّى به.. شيئاً يضحكني من الأعماق. فألف شكر لصديقي (التلفنجي)، وأقول له بالفم الملآن: إذا كانت هذه التصرفات تساعدك على الشفاء من مرضك النفسي.. فأنا بانتظارك ليلاً ونهاراً، عندما تستيقظ صباحاً، وعندما تسهر مساءً. وما هـمّ إذا زعلت أم كلثوم لأنني قلت (أنا بانتظارك)، المهم أن تفرح أنت!
تَلْفِنْ تَلْفِنْ يا "قَمُّورْ"
لا تْخَلّي حالَكْ مَقْهُورْ
وْسَمِّعْنِي صَوْتَكْ شْوَيّ
أَحْسَنْ مَا قِلَّكْ: صَرْصُورْ
**
أشكركم
      أشكركم، يا من سخّرتـم وسائلكم الإعلاميّة وأقلامكم الشريفة للدفاع عن الحقّ، دون الإلتفات إلى الوراء.
   أشكركم، يا من حملتم إليّ ورود الفرح، وبطاقات التهنئة، وكلمات التشجيع والمحبّة.
   أشكركم، يا من ألهبتم خط هاتفي بنبرات أصواتكم الطالعة من قلوب لا تعرف إلاّ الخير، ولا تعترف إلاّ به.
   أشكركم، يا من وطئتم أرض منزلي، ودخلتـم قلبي، وأنتم ترددون عبارات التهنئة بصدق ظاهر كابتسامة طفل.
   أنا أعرف أن كلمة شكر واحدة لا تكفي، وكيف تكفي؟ ولكنني لا أملك سواها.. فاقبلوها منّي مع صكّ إمارتي الأدبيّة.. وفقكم اللـه.. وخفف من آلام غربتكم.
  **
عين المحبّ عمياء
      أشياء كثيرة تحدث معي، فتترك أثراً طيّباً في نفسي، تعجز تقلّبات هذا الزمن الرديء من محو آثاره.
   ومن هذه الأشياء تكريم الجنوبيين الشرفاء لي بمناسبة فوزي بإمارة الأدب في عالـم الإنتشار اللبناني لعام 2000. وما فبرك هذا التكريم من قصص طريفة، إليكم بعضها:
   دعانا رئيس تحرير مجلّة أميرة الصديق شوقي مسلماني، بعد التكريم مباشرة، إلى ارتشاف فنجان قهوة في منزله العامر. هناك راح يخبر زوّاره عن سرّ امتلاكي للجمهور طوال مدّة وقوفي على المسرح، وأن هذا بحدّ ذاته معجزة، على حدّ تعبيره.. فضحكت وتطلّعت بشوقي ولـم أتكلّم، ولكنّي قلت في سرّي:
ـ عين المحبّ دائماً عمياء!!
**
جاء رغم الأمطار
  
   الفنّان فؤاد الورهاني يعيش في منطقة (ديورال) التي تبعد عن مكان التكريم قرابة الساعتين في السيّارة. ورغم الأمطار الشديدة، وتطاير أغصان الأشجار على الطرقات، رفض هذا الفنّان القدير أن يقبع في بيته وصديقه شربل يتكرّم، فركب سيّارته وجاء إلى مكان الإحتفال. وعندما دخل القاعة، وكان أول الواصلين، هنّأناه بسلامة الوصول، ولمناه على مجيئه من مكان بعيد، فتطلّع بنّا وقال:
ـ أنسيتم أنني أحمل جائزة شربل بعيني، وأن الذي يكرّم الليلة هو الّذي كرّمني منذ ثلاث سنوات. فأقل شيء أفعله هو الوقوف إلى جانبه يوم تكريمه.
**
مالبورن لن تطير..
   علي أبو سالـم، رئيس تحرير مجلّة الجذور، زار سيدني قبيل التكريم بعدّة أيّام، فاتّصل بي تلفونيّاً، ولمّا لـم يجدني أرسل لي فاكساً يعلمني به عن وجوده في سيدني، ولكن ورقة الفاكس أحبّت أن تسوّد وجهي معه، فطارت وحطّت تحت طاولة المكتب، هكذا بكل وقاحة.. وعندما لامني صديقي على عدم الإتصال به، أخبرته أنني لـم أعلم بوجوده بيننا، فقال لي:
ـ لقد أرسلت لك فاكساً..
ـ أعتقد أنّه ضاع في الأثـير الإلكتروني، ولـم يصلني.
ـ يا أخي ما زلت أحتفظ بالإيصال..
   هنا طلبت منه أن يمهلني لحظة كي أفتّش عن ورقة الفاكس في الغرفة، لأن حادثة مماثلة كانت قد حدثت معي يوم أرسل لي الدكتور رفعت السعيد فاكس التهنئة، ولـم أجده إلا صدفة. فإذا بالورقة تنام سعيدة تحت طاولة المكتب، فاعتذرت من علي، وأنّبت ورقة الفاكس، ومنعت الهواء من دخول مكتبي لمدّة أسبوع، جزاء له على وقاحته وتلاعبه بأشيائي الحميمة.
   الغاية، أخونا علي رفض أن يعود إلى مالبورن قبل أن يحضر حفل تكريم صديقه شربل، فأخّر سفره، ولسان حاله يردّد: 
ـ مالبورن لن تطير من مكانها، كما طارت ورقة الفاكس في مكتب شربل بعيني!
**
لمع وبرق
   بينما كنت متوجهاً إلى مكان الإحتفال برفقة الحبيبة ليلى والمهندس رفيق غنّوم وزوجته إيفانكا، والأمطار تنهمر علينا بسخاء إلهي لا حصر له، لمعت السماء وأبرقت، فصاحت ليلى بصوت عالٍ:
ـ عد إلى البيت حالاً.. الطّقس عاطل جدّاً.. 
   فقلت لها:
ـ يجب أن أصل إلى منطقة أرنكليف.. ولو ضاعت خطوط الطريق من أمامي.
   فقالت بحدّة:
ـ إرجع إلى البيت، ومن هناك إتصل بالدكتور علي بزّي أو بالحاج خليل حراجلي واعتذر منهما على عدم تمكّنك من المجيء بسبب رداءة الطقس.
   هنا بدأت إيفانكا تتحدّث مع ليلى عن الكلاب والقطط، ولا شيء يسلّي ليلى أكثر من هذه الأخبار، فأصغت بكليّتها إلى زوجة الصديق رفيق غنّوم، ولـم تعد تسمع صوت البرق أو ترى لمع السّماء.. فوصلنا إلى مكان التكريم وأنا أردّد:
لا بَقَى تْشَتّي يا ربّ
كنّا رْجِعْنا بْنِصّ الدَّرْبْ
وْكنّا طْلِعْنا بْلا تِكْريمْ
لَوْ ما لَيْلَى تْقَوِّي الْقَلبْ
**
النصر لنا.. النصر لنا..
   من منّا لـم تشق صرخات بهجته عباب السماء، حين رأى الأعداء يتهاوون تحت ضربات المقاومة اللبنانية، وغبار أرجلهم يحجب الرؤية، وأشرطتهم الشائكة تعيد ترسيم الحدود بفزع مضحك.
   لقد ثأرت المقاومة اللبنانية لأكثر من 10 ملايين شهيد من جيوش الأمة العربية، سقطوا على أرض التحرير، دون أن يحرروا قنّ دجاج واحد!
   وحدها المقاومة الجنوبية البطلة عرفت كيف ترعب العدو، وكيف تذلّه أمام أعين الشرق والغرب. فلقد محت بدمائها الطاهرة أسطورة التفوّق العسكري الصهيوني، ودوّنت مكانها أسطورة النصر اللبناني. فهنيئاً لنا بالنصر، وهنيئاً للجنوب بأبنائه العائدين، وهنيئاً للبنان بمقاومته المشرّفة، وصدق أبو القاسم الشابي حين قال:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر
   وها هو القدر قد استجاب.. وها هو الوطن يعود لأهله بكامل ترابه. عقبى لمزارع شبعا بإذن اللـه.
**
جورج وطوني عاصي
   في حفلة العشاء التي أقامها مجلس الجالية اللبنانية على شرف الوزير نجيب ميقاتي، في مطعم الليالي الذهبيّة، تطلع العم عصمت الأيّوبي بالصديق جورج عاصي مليّاً وسألني:
ـ ماذا يفعل طوني عاصي هنا؟.. هل ترك مطعم طوني في (دلويشهيل)؟
ـ هذا أخوه جورج.. وأعتقد أنهما توأم..
ـ غريب كم هما متشابهان.
   وجورج وطوني عاصي من بلدة حردين، التي أنجبت قدّيس لبنان نعمة اللـه الحرديني. الأول يدير مطعم الليالي الذهبيّة في (بانكستاون)، والثاني يدير مطعم  طوني في (دلويشهيل)، وصدّقوني أنهما متشابهان بالشكل الجميل وبالسلوك الحسن، واستقبالهما لزبائنهما لا يوازيه استقبال، لا من ناحية الضيافة والكرم، ولا من ناحية الترحيب والإبتسامة الدائمة. وكم أنا فخور بأن أكون صديق الإثنين معاً.
**
أبو أنيس غانـم
     لـم أنتبه للأبيات الشعريّة الجميلة التي أهداني إيّاها الوالد العزيز، والسنديانة الشامخة، أبو أنيس غانـم، إلاّ بعد عدة أسابيع، وكأنّه يريد، وللمرّة الثانية، أن يشعرني بعطفه الوالدي، وأن يحمّلني مسؤولية أدبيّة لست بمستواها:
يِحْميكْ أللّـه للشعر يا بو أنيس        
يا زارع الأحلام جوّا العينتين
بْيِرضَى بْهَدِيِّه وَاحْدِه أكبر عريسْ     
 مُشْ حقّ  تِهْدِي للأمير هْدِيّتَيْنْ!!
**
الفنّان يوسف رحمة
   الفنان المعروف يوسف رحمه أصبح مغترباً مثلنا، أي أن الغربة ربحته بعد أن خسره الوطن، فهنيئاً لغربتنا به، وهنيئاً لفنّنا المهجري بصوت أثبت وجوده على امتداد خريطة الفن الشرقي في دولنا العربيّة. 
   علينا أن لا نكتفي بفرحة وجوده بيننا، بل يجب أن نؤمّن له الراحتين الفكريّة والفنيّة كي يعطي، وما أروعه حين يعطي.
   مرّة سمعته يغنّي، فوجدت أن الفرقة الموسيقيّة في وادٍ، وصوته في واد آخر، وفي نفس الوقت وجدت الألـم مرتسماً على وجهه لأن النغم لا يلبي الصوت، ولأن الجمهور الذي يدبك على قرقعة الطناجر لا يعرف الفرق بين صوت (ألغراب) وصوت (البلبل)، المهم أن يطبّلوا له كي يرقص. 
   أغنيات يوسف رحمه أشهر من نار على علـم، فلماذا لا تتدرّب عليها فرقنا الموسيقيّة، احتراماً لفناننا الكبير، ورحمة بنا وبفنّنا المهجري.
   إلى أن نصبح محترفي كلمة ولحن وموسيقى، سنظل نصغي لصوت يوسف رحمة، وسنظل متجاهلين كل ما حولنا، حتى النشاز الموسيقي.
   حماك اللـه يا يوسف، وحمى أوتار حنجرتك الذهبيّة.
**
جو بركات.. الغائب الحاضر
   جو بركات، رحمه اللـه، كان يكره الرثاء، ويكره الإطالة في الكلام، لذلك سأوجّه لروحه الطاهرة هذه العبارات القليلة:
   مثلك لا أحد، فلقد كنت مغترباً مثالياً، لبنانياً صميماً، فاعل خيرخيِّراً، إنسانّاً خلوقاً، وصديقاً صادقاً. فلذلك لن أبكيك، بل سأردّد مع أحبابك: كما كنت معنا ستظل إلى الأبد.
**