أهل المقابر

ـ إبنتنا مرّ وقتها..
    سمعت أمها تقول لأبيها ذات ليلة، فخافت كثيراً على مستقبلها، وأخذت تتحسّس بأصابعها بشرة وجهها، جاهدة قدر المستطاع إقناع نفسها أن تلك التجاعيد التي بدأت تظهر بوضوح، ما هي إلاّ طفرات جلديّة سرعان ما تختفي.
ـ يجب أن أتصرّف قبل فوات الأوان..
   تمتمت لنفسها وهي تدق أبواب صديقاتها المتزوجات بيدين نهمتين، علّهن يرشدنها إلى أقرب وأنجح السبل لإيجاد عريس مناسب لها.
   قالت الأولى:
ـ هندسي حالك.. إصبغي شعرك.. فرشي أسنانك كل  ليلة، والبسي كعباً عالياً!!
   ونصحتها الثانية:
ـ إختاري الشاب الذي يعجبك، والحقيه من مكان لآخر، حتّى يقع في غرامك. مسألة سهلة جداً جداً.. أليس كذلك؟
   أمّا الثالثة فقالت لها بكثير من الجديّة:
ـ إفعلي مثلما فعلت أنا.. قابلي (حكيماً عربياً)!
ـ ماذا؟.. (حكيماً عربياً)!
ـ أجل..
ـ هذا الذي يأتي إلى الضّيعة كل مدّة، ويروح يصرخ بصوت عالٍ: معي دواء للسكّري، لوجع البطن، لضغط الدم، للبواسير، للعقم؟
ـ ومعه أيضاً دواء للزواج السّريع..
ـ أين هو.. دلّيني عليه.. أسرعي؟
ـ طوّلي بالك.. غداً سيجيء إلى الضّيعة، وسيرمي بين يديك دزّينة عرسان دفعة واحدة بإذن اللـه.
   وانتظرت طويلاً يوم مجيئه، وكانت تركض إلى شرفة منزلها كلّما أحسّت بوقع حوافر بغلة أحد الفلاّحين، ظنّاً منها أن (الحكيم العربي) قد وصل إلى القرية، راكباً بغلته المزينة بالأجراس والشراريب القماشية الملوّنة. وذات يوم سمعته يهمس بأذنها:
ـ كيف بإمكاني أن أساعدك يا بنيّتي؟
ـ أريد وصفة تقرّب العرسان..
ـ والدراهم؟
ـ عشرة دولارات، لا أملك غيرها..
ـ زين.. زين.. هاتي كفّك لأقرأ بختك.. يا بنيّتي، أنت مكتوب لك، ويجب فكّ الكتابة حالاً..
ـ أرجوك.. ماذا أفعل؟
ـ إذهبي إلى المقابر، وبيديك المباخر، واهتفي:
يا أهل المقابر
ما لي عندكم خطيّه
ودّولي عريس
بعدي صبيّه..
ـ هكذا فقط؟!
ـ أجل.. ولكن قبل أن تذهبي أعطيني الدّراهم.
   والظاهر أن حظّ (الحكيم العربي) يفلق الصخر، لأنها ما أن عملت بوصفته التافهة هذه، حتى رزقها اللـه عريساً من عمر أبيها.. أودعته المقابر بعد انقضاء شهر عسلهما مباشرة، ولسان حالها يردد:
يا مْبَصِّرْ شُو هَـ الْقِصَّه؟               
لازِمْ فِيِّي تِتْوَصَّى
اللِّي شْحَدْتُو مْنِ مْقَابِرْنا           
رِجْع عْلَيْهَا.. صَبِّرْنَا
بْوَاحِدْ تَانِي يِسْتِرْنَا                
وْيِقِيمْ عَنِّي هَـ الْغَصَّه