أكثر المسائل التي تزعجني هي تحويل الدين إلى مقصلة، أو غرفة للتعذيب والموت، وتقمص رجال الدين دور الجلادين ورجال المباحث، فمن يخالفهم الرأي كان الله في عونه، فتحت ألسنتهم ألف فتوى قاتلة قد يرمونه بها، وتحت أصابعهم ألف مؤمن جاهز لتنفيذ أوامرهم، دون أدنى تفكير.
ورجل الدين، مهما علا شأنه، بشر مثلنا، يحب، يتزوج، يخون، يغار، يثور، يتدلل، يكذب، يتسلط كالطاغوت، ويسخر الله لملذاته، وغيرته، ودلاله، وكذبه، وتسلطه، وما من أحد يقدر على تكذيبه، دون أن ينال عقابه، كيف لا، والمغرر بهم يصدقون كل كلمة تخرج من فمه الذهبي (المقدس).
آن الأوان كي نكشف زيف رجال ديننا، وأن نفنّد أباطيلهم، لا كرهاً فيهم، بل حباً بإنقاذهم من براثن الخطايا التي يتقلبون على نارها، قبل أن يتقلبوا على نيران جهنم، فهم وجدوا أصلاً لإنقاذ أنفس الناس وحمايتها من الرذائل، فإذا بهم يتحولون إلى رذيلة مضحكة تخجل منها الكلمات.
هذا يبرر موت الأبرياء، وذاك يهدد بتدمير وطنه إذا لم يلبوا رغباته، وذلك يسبح في مستنقع السياسة حتى أذنيه، وينسى مهمته الدينية، لا بل يغرقها معه في المستنقع، ويغرق كل من يستمع إليه.
ولكي لا أتهم بالطائفية، تهمة العصر بدون منازع، سأدعم قولي بحادثة حصلت في إحدى القرى اللبنانية مع أحد الخوارنة وأبناء رعيته، ولأن النكتة تفسّر نفسها، وتؤدي المهمة في توجيه اللوم إلى كافة رجال الدين، من أي دين كانوا، أترككم مع القصة:
تزوج أحد الخوارنة الشباب فتاة جميلة للغاية، وما أن ذاق طعم الذي لا أحد يشبع منه، على حدّ تعبير أحد القرويين الدراويش، حتى بدأ يغار عليها، ويراقبها مراقبة أنست أهل القرية الحكم العثماني وعملاءه.
وذات يوم ضاقت بوجهه الدنيا، فألقى عظة (قاتوليّة)، انهزّت لها ذقون أبناء رعيّته:
ـ يا أولادي.. لقد أصبح لي مدّة طويلة لـم أعرّف بها امرأة. هل لي أن أعرف السبب؟ إذا كنتم تعتقدون أن النساء لا يرتكبنَ خطايا، فأنتم، واللـه، على خطأ. إذ أن المرأة التي تنام مع زوجها تكون قد ارتكبت خطيئة، ومن واجبها الديني أن تعترف بها للخوري، ومن واجبي أنا أن أحلّها منها. هل فهمتم؟.. أذني بئر عميقة، ما يدخلها لا يخرج منها أبداً.. ثـم لا تنسوا أن الخوري يحمل سرّ الإعتراف، وما تعترفون له به، لن يدري به غير اللـه تعالى. فلتتحرّك النساء، قبل أن يتحرّك عزرائيل ويخطف أرواحهنّ، ويرميهن في نار جهنم، حيث البكاء وصريف الأسنان. بعد القداس مباشرة سأكون بانتظاركن يا بناتي في كرسي الإعتراف، فلا تتأخرّن. آمين.
أحد الحاضرين لـم يعجبه كلام الخوري، فرفع صوته قائلاً:
ـ يا أبانا، عندي سؤال وجيه..
ـ تفضّل..
ـ هل ستعترف الخوريّة أيضاً؟
ـ طبعاً، طبعاً.. الخوريّة قبل الجميع.
ـ أنسيت أنكما في شهر العسل؟
ـ ما همّ، كل خطيئة ترتكبها الخوريّة في شهر العسل، سأحلّها منها أنا.
عندئذ ضجّ جمهور المصلّين بالضحك، بينما كان أحد الزجّالين يردّد:
خوري عَ المدبح صلاَّ
دوَّخنا ودوَّخ أَللَّـه
عندو خوريِّه يا ناسْ
بِيخطِّيها وبيحِلاَّ