سائق تاكسي لبناني، كان يهمّ بالرجوع إلى مسكنه، بعد أن انتهت فترة عمله الليلي، فإذا به يسمع صوت فتاة اللاسلكي يعلن عن وجود زبونة تحتاج إلى سيارة تاكسي تنقلها إلى المستشفى حالاً.
وكمعظم اللبنانيين، فقد دبّت الحميّة في عروق السائق المسكين، وتوجّه إلى العنوان المذكور، والنعاس يفتك بعينيه، ليجد صبيّة شقراء، لـم تناهز بعد السادسة عشرة من عمرها، تحضن طفلاً صغيراً على صدرها، لا يظهر منه شيء، وهي تبكي وتقول:
ـ يا حبيب قلبي.. لا تخف، بعد دقائق سنصل إلى المستشفى.
ـ لا تخافي ـ قال السائق اللبناني ـ الموسم موسم إنفلونزا.. غداً سيصبح بخير.
ـ آه يا حبيبي آه..
ـ غطّه جيّداً.. الدنيا برد..
ـ أرجوك أسرع.. أسرع أكثر..
ـ يا ستّ.. كم كأس حجامة، ويمشي الحال..
ـ ماذا تقول؟
ـ صحيح.. أنتم لـم تسمعوا بعد بالحجامة..
ـ لم أسمع أبداً بهذا الدواء!
ـ المحجمة كأس زجاجية نضع بداخلها ورقة شاعلة، ثم نلصقها على ظهر المريض، فتمتص البرودة، ويتعافى بسرعة البرق..
ـ يا إلهي.. وهل هذا مسموح بأستراليا؟
ـ لا.. ولكنهم يتداوون بها في الشرق.. كما أنني جربتها بوالدتي العجوز هنا، ولكن تجربتي لم تنجح معها، فنقلتها إلى المستشفى، وعندما عاينوا النتؤات الحمراء على ظهرها، خافوا كثيراً، حتى كادوا أن يدخلوني السجن.
ـ معهم ألف حق..
ـ يجب أن تحترموا عاداتنا الشرقية في هذه البلاد..
ـ قبل أن نحترم عاداتكم، عليكم أن تحترموا قوانيننا، وهذا للأسف لم يحصل بعد.
ـ قصدك.. نحن أبناء الفوضى؟
ـ أنا لم أقلها.. أنت قلتها..
ـ كل شعب له عاداته، فأين العجب إذا مارسنا عاداتنا؟
ـ أين المستشفى؟ أرجوك أسرع..
ـ سنصل.. لا تخافي.
ـ شكراً..
ـ كم عمر المحروس؟
ـ سنتان..
ـ أراك صغيرة جداً للزواج.. هل هو طفلك الأوّل؟
ـ أنا لست متزوّجة..
ـ إنّها موضة العصر.. البارحة ركبت معي بنت من عمرك، تحمل طفلاً من عمر ابنك، ولـم تكن متزوّجة أيضاً!
ـ هذا ليس إبني يا أستاذ..
ـ إبن من إذن؟
ـ إنّه كلبي (راكس)..
ـ كلبك؟!.. لقد طيّرت النوم من عينيّ خوفاً على كلب. أأنت مجنونة؟
ولكن، حرصاً منه على سلامة الكلب المريض، وعلى مراعاة حقوق الحيوان في أستراليا، لـم يتوقّف، بل توجّه بها إلى مستشفى الكلاب، بعد أن كان متوجّهاً بها إلى المستشفى المختص بنا نحن أبناء آدم، ولسان حاله يردد:
في ناس بتتمنى تكون
كلب مدلل بالأَحضان
ولا تبقى بعالـم مجنون
الإنسان بيقتل إِنسان