عمر الشريف.. مسيحي، مسلم، يهودي

   ادعت صحيفة الغارديان البريطانية في عددها الصادر في 31 تشرين الأول 2005، أن الفنان المصري عمر الشريف ولد يهودياً، وكان اسمه ميشال شلهوب قبل أن يعتنق الإسلام ديناً عام 1950، بغية الزواج من سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة.
   والحقيقة أن فناننا العالمي القدير من مدينة زحلة اللبنانية، ومن الحارة الشرقية بالذات، مسقط رأس المغنية الشهيرة شاكيرا (مبارك)، التي فازت بالجائزة العالمية للموسيقى، وغنت بلغة أجدادها اللبنانيين، كما لم تغنِ بالإسبانية والإنكليزية والفرنسية. كما أنه من عائلة شلهوب الكاثوليكية، وكعادة معظم اللبنانيين، هاجر والده إلى مصر أيام الحكم العثماني، حيث برع بالتجارة، فيما كان ابنه ميشال يبرع في التمثيل، لدرجة أوقعت بغرامه أجمل فنانة عرفتها الشاشة العربية، وأنجبت منه ولداً، قبل أن يفرق أبغض الحلال بينهما، وقبل أن ينتقل فناننا إلى العالمية عام 1962 في فيلم (لورنس العرب).
   وأعتقد أن عمر بإيعاز من مدراء أعماله، تنكّر لإسلامه بسبب الشهرة العالمية، كما تنكّر لمسيحيته كرمى لعينيْ فاتن، وراح يروّج لأصله اليهودي، الذي لا أصل له بالأساس، كي يتقرّب أكثر من أصحاب القرار في هوليوود، وكي يحبب به مسؤولي شركات الإنتاج السينمائي العالمية، التي بمعظمها يهودية الإستملاك، وكي يجني من وراء تعاقده معها ملايين الدولارات، تماماً كما ادعى المؤلف الأسترالي اللبناني الزحلاوي دايفيد معلوف، الذي لم يدرِ أنه لبناني كاثوليكي، وأحد أقرباء الشاعرين فوزي وشفيق المعلوف، إلا من فترة وجيزة.
   ومن الفنانين العالميين الذين ينتمون لعائلة شلهوب اللبنانية، الفنان طوني شلهوب، الذي اشتهر بأدواره في (الليلة الكبرى ـ 1996)، (والرجال باللباس الأسود)، الأول والثاني، 1997 و2002، (وأطفال الفضاء) 2001، كما أنه ما زال يتعملق بدوره البطولي في المسلسل الشهير (المونك). والجدير بالذكر أن طوني يفاخر بأصله وفصله ومسقط رؤوس أجداده، ولم يدع الإنتماء إلى أديان أخرى، كما فعل عمر تحت ضغط الغرام، والشهرة، والحروب العربية الإسرائيلية التي كانت في أوجها في أواسط ستينات القرن الماضي.
   من حق فناننا الكبير عمر الشريف التنقل بين الأديان كما يتنقل من بلد لآخر، ومن حقّه أن يختار المذهب الذي يريد وساعة يريد، فحرية الإنسان لا تصادر، لا باسم السياسة ولا باسم الدين، فلقد خلقنا الله أحراراً، عقولنا تسيّرنا وتخيرنا بغية الحفاظ على وجودنا واستمراريتنا. ولكن من حقنا أيضاً أن نعرف الحقيقة، لا أن نذر فوقها ادعاءات فارغة لا صحة لها.
   وادعت الغارديان أن تنظيم القاعدة هدد برسالة نشرها على الإنترنت بقتل الفنان عمر الشريف، لأنه قام بتمثيل دور القديس بطرس في فيلم إيطالي، ولأنه أبدى إعجابه بالوثنية الصليبية، لذلك هو صليبي أهان الإسلام والمسلمين، ويجب التخلص منه.
   عمر الشريف اعتبر أن لعب دور القديس بطرس كان مهماً جداً بالنسبة له، تماماً كما كان دور حمزة عم الرسول محمد مهماً بالنسبة لأنطوني كوين، دون أن يهدده أحد من اليهود والمسيحيين، لا بل أثنوا على تمثيله الرائع، وإتقانه للدور دون التفتيش عن طائفته ومعتقده ومن أي البلدان تحدر.
   عام 1968 تعرّض عمر الشريف لغضب العرب الطالعين من نكسة 1967، لأنه قبّل شفتيْ ممثلة يهودية اسمها بربارة سترايسند في فيلم (فتاة مرحة)، فتدخل مكتب مقاطعة إسرائيل المنتقل إلى رحمته تعالى، ووضع حظراً على الفيلم، فاستجابت مصر للحظر، بينما حضرته أنا في لبنان، وفي مدينة طرابلس بالذات. وكادت قبلة فنية أن تقضي على عروبة هذا الفنان، وأن تحرمنا من إبداعه باللغة العربية، لولا تدخل المصلحين وأصحاب القلوب الكبيرة، والعقول الراجحة.
   ولأننا لا نتعظ من أخطائنا، ومن أحكامنا المتسرعة على الأمور، عاد اللغط يدور عام 2003 حول فناننا القدير لأنه لعب دور تاجر مسلم يصادق شاباً يهودياً في الفيلم الفرنسي (السيد إبراهيم وأزهار القرآن)، وكأن الزيارات التي يقوم بها المسؤولون العرب لإسرائيل، لم تصبح شيئاً طبيعياً، حتى أن الإعلام العربي لم يعد يعلّق عليها، فالإجتماعات تدور في السر والعلن، والإتفاقات توقع على عينك يا تاجر، ولم يبق في الساحة إلا عمر الشريف لأنه مثل دوراً أعجبه في فيلم أميركي، أو فرنسي، أو إيطالي، لا فرق، وما علينا إلا أن نتخلص منه بسبب انفتاحه وعبقريته الفنية.
   عمر الشريف وجه أمتنا العربية الحضارية، مسيحياً كان أم مسلماً أم يهودياً، وأحد أيقوناتنا الفنية التي بها نفخر، فبدلاً من أن نرهبه، وجب علينا تكريمه وتشجيعه، لأن الأمة التي لا تكرّم الفنان، لن يكرّمها أحد.