جريمة في الفاتيكان

   قيل لنا أن الجريمة في أستراليا تتزايد يوماً بعد يوم، وكنت أود أن أخبر قرّائي عن الجريمة في إيطاليا، وعن العنف العائلي المتزايد، ولكن الجريمة التي هزّت أصغر دولة وأقدسها في العالـم جعلتني أسرع في كتابة ما يلي:
   أتذكرون حادث الإغتيال الذي تعرّض له البابا يوحنا بولس الثاني في منتصف شهر أيار 1981، على يد التركي علي آغا الذي سامحه البابا وغفر له كما يفعل القديسون؟
   أتذكرون أيضاً ذلك الحارس المارد لويس إيسترمان الذي أنقذ حياة البابا بعدما رمى بنفسه عليه، معرضاً نفسه للرصاص من أجل إنقاذ حياته؟
   هذا الحارس السويسري المارد الذي أصبح قائد (المدافعين عن حركة الكنيسة ـ الحرس البابوي)، وجد مقتولا مع زوجته غلاديس في شقتّه في الفاتيكان على يد الحارس سيدريك تورني.. فلقد قتلهما وقتل نفسه.
   الجريمة وقعت قبيل الاحتفال بذكرى  مرور 492 سنة على انشاء الحرس السويسري بأمر من البابا جول الثاني عام 1506.
   سلطات الفاتيكان تتابع التحقيق في الجريمة، إذ أن معاهدة (لاتران) تعطي الفاتيكان قضاءً مستقلاً على كامل ترابه (44 هكتاراً).. شرط أن تتولى الشرطة الايطالية حراسة ساحة كنيسة القديس بطرس فقط.
   السؤال المطروح الآن: لماذا قتل الحارس تورني قائده، وهو (الشاب الهادىء والطبيعي والمثالي) على حد تعبير الحارس السابق جاك فيزر، والذي كان على أهبة ترك الخدمة والرجوع إلى سويسرا؟
   والجدير بالذكر أن تعداد الحرس البابوي 100 نفر، جميعهم من سويسرا، ولا يقبل في الحرس سوى السويسريين الذين هم دون الثلاثين، ويبلغ طول الواحد منهم 176 سنتم. فهل سيغيّر هذا الحادث في نمط التعيين، خاصة وأن معظم الإيطاليين والمسيحيين الكاثوليك في العالـم يعتبرون أن اختيار السويسريين لهذه المهمة المقدسة دون سواهم إهانة لهم.. فهم أيضاً جديرون بحماية رأس كنيستهم، خاصة وأنه يعيش بينهم.. داخل مدينتهم روما.
   المهم أن الاحتفال بذكرى تأسيس الحرس السويسري قد تم إرجاؤه.. ومن يدري فقد يلغى بتاتاً.. لأن هذه الجريمة التي لا سابق لها بتاريخ (الفاتيكان) قد هزت أرجاءه أكثر مما هزّتها محاولة اغتيال البابا عام 1981.
   الجريمة دخلت الفاتيكان.. وعلى يد (مختاريه) من السويسريين.. فهل يحق لنا أن نتأفف إذا سمعنا برجل ضرب زوجته، أو بكنة خنقت حماتها.. أو بلص دخل حرمة منزلنا.. إنها الحياة تسير عكس ما نشتهي.