عند أحد أصدقائي المقربين كلب رائع أسماه "سيزر"، أي "قيصر" باللغة العربية، وعند جارتي كلبة جميلة اسمها "دوللي"، وذات يوم أحبّت جارتي، المغرمة جداً جداً بالكلاب، أكثر من بريجيت باردو بألف مرة، أن تعرّف كلبتها الوحيدة الغالية، التي لم يرزقها الله وريثاً غيرها، على كلب "إبن أوادم".
وقد تتعجبون إذا أخبرتكم ان بلدية المنطقة التي تعيش بها رفضت أن تسجّلها في ملفاتها القانونية إن لم تحمل اسم عائلتها.. فأصبحت، منذ ذلك الحين، معروفة بالدوائر الحكومية، وعيادات الأطباء البيطريين، باسم الآنسة "دوللي طومسون"، ،هكذا والله.
ولكي أبيّض وجهي، كما يقولون، اتصلت بصديقي لأخبره بقرار جارتي استضافة كلبه المدلّل، وتقديمه كصديق "بوي فرند" لكلبتها، فأجابني قائلاً:
ـ جارتك، كما أخبرتني، كثيرة السفر، وأنا كذلك، فما رأيك لو تبادلنا استضافة كلبينا عند سفر أحدنا، وهكذا نعرف أنهما في مأمن. هي تأخذ "سيزر" عندما أسافر، وأنا آخذ "دوللي" عندما تسافر، فهل لك أن تسألها؟.
وبدون أدني تفكير وافقت الجارة، شرط أن نعدّ لقاءً جانبياً بين كلبه وكلبتها، من أجل جسّ نبضيهما قبل اتخاذ القرارات الصعبة، التي قد تزيد عدد الحيوانات في أستراليا أربعة أو خمسة كلاب، فأبدى تأييده للفكرة، وأضاف:
ـ تعال خذه الآن، فأنا سأسافر بعد أسبوع.
وكانت جارتي تضع أذنها على سمّاعة الهاتف التي أتكلم منها، كي لا يفوتها شيء من الصفقة، فصاحت كالمذعورة:
ـ بعد أسبوع؟! إذن سآخذ "دوللي" إلى الطبيب كي يجري لها عملية منع الحمل، وإلا قتلتها.. "فسيزر" كلب يافع قوي، "ودوللي" ناهزت التاسعة من عمرها، أي أنها أصبحت عجوزاً حسب أعمار الكلاب، وهذا ما سيشكل خطراً على حياتها إذا حبلت وأنجبت.
عملية منع الحمل كانت مكلفة جداً، أكثر من كلفة عملية نسائية تصب في الخانة ذاتها، ومع ذلك كانت مقتنعة مئة بالمئة بصحة قرارها، كيف لا، و"سيزر" سيصبح صهر العائلة المدلل، وإن كانت ستقطع نسله.
وبينما كانت "دوللي" تعاني من جرحها الثخين، كانت الجارة تفتّش عن بيت جديد من البلاستيك، تستضيف به العريس الغالي، وصدقوني إذا قلت: أن أسعار بيوت الكلاب ستبزّ بعد سنوات أسعار بيوت بني آدم، هذا إذا تمكنّتم من الحصول عليها لندرتها في السوق، بسبب حب الغربيين للكلاب، واعتنائهم بها.
كل ما أريد أن أخبركم به، هو أنها تكلّفت على استضافة "سيزر"، ما فتح ورزق، دون أن تعلم أن حساب حقلها لن ينطبق على حساب بيدر صديقي العزيز ، الذي ألغى السفر فجأة، وألغيت زيارة مستر "سيزر" قبل لحظات من وصوله إلى شارعنا. فجنّ جنون جارتي وصاحت:
ـ قم اتصل بصديقك هذا، وقل له أن يأتي بكلبه حالاً، لأن كلبتي موعودة به، وحرام أن يكسر بخاطرها.
وجاء "سيزر"، وبدأت المعارك بينه وبين "دوللي"، هو يريدها وهي تصده، هو يلاحقها وهي تهرب منه، وصار يرافقها كظلها، إذا أكلت أكل، وإذا شربت شرب، وإذا بالت بال. ولم يخطر ببال أحد أن العملية التي أجريت لها ستحولها إلى صخرة صماء لا إحساس فيها. فباءت كل محاولات "سيزر" بالفشل، رغم جماله، وشبابه، وفحولته. إنه، وبصريح العبارة، بيّض وجه صديقي، عكس "دوللي" التي سوّدت وجه جارتي، وجعلتنا نصدّق أن الحبّ العذري ما زال ساري المفعول في هذا العصر المجنون.
أربعة أيام فقط، قضاها "سيزر" بصحبة "دوللي"، كانت كافية للقضاء عليه نفسياً. فلقد أخبرني صديقي أن كلبه عندما عاد إلى دياره سالماً، أضرب عن المأكل والمشرب، وراح ينبح نباحاً مموسقاً، وكأنه يناجي "جولياته" الغائبة عن عينيه.
أنا أعرف أن "دوللي" جميلة ومثيرة، ولكنني لم أكن أدري أن "سيزر" سيصبح "روميو" عصره من اللقاء الأول. وهذا ما أغضب صديقي، وحذّرني من الاتصال به بغية جمع العشيقين، لأنه لن يسمح لا "لدوللي" ولا لأم "دوللي" بالتلاعب بعواطف كلبه، كما أنه لن يستضيفها في بيته، ولو كلّفه الأمر محو صداقتنا من الأساس، وتناسى حضرته أنها استضافت كلبه ضيافة قصمت ظهر بعيرها، وأفرغت محفظتها من مئات الدولارات.
الشيء الوحيد الذي يحزنني هو أن الإتصالات التي كانت جارية، على أحسن ما يرام، بيني وبين صديقي، أصبحت مقطوعة كلياً، وقد نحتاج إلى مبعوث دولي لحل مشكلتنا العاطفية العالقة، حتى أن مثلاً شعبياً جديداً بدأ يتراقص على ألسنة الجيران: "حب الكلاب، فرّق الأصحاب"، وهذا ما حصل تماماً.
من يدري، فقد تتحوّل قصّة حب "سيزر" لـ "دوللي" إلى فيلم سينمائي، تنتجه شركة "ديزني لاند"، ينسي العالم ما حصل في "التايتانيك" من مغامرات عاطفية بشرية، ما زالت تطفو على سطح الماء.