زوجة الرئيس علي بزي

   عندما زرت الدكتور علي بزّي في المستشفى، للإطمئنان عن (قلبه) الكبير.. وجدت المئات من باقات الأزهار التي تحيط به من كل جانب.. ووجدت الناس يقفون بالصفّ للدخول إلى غرفته، ومحظوظ من يلمس يده مصافحاً.
   دقيقة واحدة فقط، بقيت في غرفته. أحسست بعدها أن عليّ الخروج كي يدخل الآخرون.. وما أكثرهـم. إنهم أحبابه، ثروته، جنى عمره.. إنهم أغلى الغوالي.. زرعهم بمحبته، وحصدهم بمرضه. لذلك لـم يتركوه لحظة، إنهم حوله ليل نهار.. أزهارهم بأيديهم، وابتساماتهم على وجوههم.. فكيف لا يبرأ بسرعة متناهية من تجمّعت حوله ملائكة الأرض والسماء.
   كنت أعتبر نفسي مغالياً في حبّي للدكتور علي.. فإذا بي أجد أن حبّي لا يساوي قطرة من بحر حب الناس، كل الناس، له.. فتطلّعت به وأنا أتمتم:
يا علي.. محبّة هَـ النّاس
هيّي المجد.. وهيّي النّورْ
قلبك، عَ شكلك، حسّاس
سلامة قلبك يا دكتُورْ
   هذا كان من سنوات، أما الآن فالدكتور علي جاري، بين شقتي وشقته عشر درجات وباب مفتوح على مصراعيه.
   وبما أننا جيران البحر، فلقد تحوّل الجار من طبيب أسنان إلى صياد سمك، وبدأ يحمل بدل الصنارة صنانير، وبدأت رائحة السمك المقلي تعطّر البناية، وبدأت أنا بالتأفف، كيف لا والصيد يسرق جاري مني دون أن أبل ريقي بسمكة واحدة. فقلت له:
ـ لم أكن أدري يا دكتور أنك عدو للبيئة.
ـ خير إن شاء الله.. ماذا فعلت؟
ـ إنك تصطاد السمك.. وتشوّه البيئة.
ـ ما رأيك لو دعوتك الليلة إلى عشاء بحري طازج.
ـ موافق..
ـ والبيئة..
ـ بعد أكلة السمك نتكلم عنها..
  ولا أذيع سراً إذا قلت إن دكتورنا العزيز ترأس مجلس الجالية اللبنانية في أستراليا، ومتزوج من سيدة سورية ولا أنعم، ضحكتها لا تفارق ثغرها، اسمها "اسمهان"، صوتها جميل حقاً، لا ينقصه سوى "فريد أطرش" جديد ليطلقه في عالم الطرب.
   السيدة "أسمهان"، والحق أقول، كانت ضد ترشّح دكتورها لرئاسة المجلس، ولقد أخبرتني بذلك بينما كنا نتمشّى على شاطىء بحيرة "تاغرا"، فالتفت إليها وقلت:
ـ لماذا أنت ضد الرئاسة؟
ـ لأن زوجي ليس بحاجة لمركز.. إنه دائماً وأبداً العظيم بين قومه.
ـ ولكن مربحك سيكون كبيراً متى انتخب رئيساً.
ـ وما هو مربحي؟
ـ ستكونين أول زوجة سورية لرئيس لبناني في عالم الاغتراب.
   هنا، أطلق الدكتور علي لضحكاته العنان، وراح يردد:
ـ شربل معه حق.. سأترشح وسأنجح بإذن الله.
    وبعد الرئاسة، رحت أضرب السلامات العسكرية، كلما التقيت " برئيستنا" السورية، احتراماً وإجلالاً لمركزها الجديد، وكانت ترد سلاماتي بالمثل، حتى خلتها قد خضعت لتدريبات عسكرية صحيحة.
   أسمهان لم تتغيّر، المركز لا يعني لها شيئاً، كانت عكس امرأة أخرى عرفتها، ما أن انتخب زوجها "رئيساً" لتجمّع من خمسة أشخاص، حتى انقلبت رأساً على عقب، وأصبحت ترفض أن نناديها إلا " بزوجة الرئيس".
   فإلى أسمهان الصديقة أقول:
مَرْت الريِّسْ سُورِيِّه
رح قَدِّمْلا غِنِّيِّه
تْغنِّيها بْغابات الأرزْ
أَرْزِتْنا اللبْنانِيِّه