منذ عدة أيام، نقلت محطة الأس بي أس الحكومية وقائع توزيع جائزة Walkley Awards التي تمنح لأشهر الإعلاميين الأستراليين عن تحقيقات خارقة قاموا بها، بعد أن عرّضوا حياتهم للخطر.
ولم أكن أعلم أن الشهقة التي تفاعلت داخل صدري ستجبرني على البكاء المفرح وأنا أشاهد صورة تلميذتي الاعلامية الشهيرة يارا بو ملحم، ابنة أحب الناس الى قلبي صديقي وأخي جوزاف بو ملحم، تظهر مع اسمها بين أفضل ثلاثة أعمال صحفية اختيرت من بين الآلاف لنيل الجائزة.
صحيح أن يارا لم تفز بالجائزة هذه السنة ولكنها وضعتها في جيبها ثلاث مرات من قبل، كما انها هزّت الجسم الاعلامي الاسترالي ببلوغها هذه المرتبة الراقية، وهي بعد صغيرة جداً على مهنة المتاعب. إنها الزهرة العيمارية (نسبة الى بلدة عيمار الشمالية) التي تفتحت في المهجر لتهدي الوطن أريجها.
يارا.. لا تهمها الجوائز، وهي التي حصدتها عن بكرة أبيها، كان آخرها هذه العام جائزة الأمم المتحدة للسلام التي حصدتها ثلاث مرات ايضاً، قدر ما يهمها أن تبقى السبّاقة في أعمالها التي أذهلت العالم أجمع.
فمن غيرها، يجازف في الدخول مع الثوار السوريين الى خنادق تأبى الجرذان أن تدخلها؟
ومن غيرها يتجاسر على الدخول الى سوريا متخفيّاً، ليجري تحقيقاً مع المعارضة السورية، قبل الانتفاضة بأشهر، ويخرج منها، وبجعبته ما جعل الكون أجمع يفتح فمه متعجباً.
من غيرها، قولوا، يدخل السجون الليبية، ويجلس مع أخطر المساجين، يكلّمهم، يمالحهم، يمازحهم، ليسجل معاناتهم بأدق تفاصيلها؟ ناهيكم عن تغطيتها المميزة عن جرائم الشرف في الاردن.
من غيرها، تألّق بسبق صحفي، تناقله الاعلام أجمع، المقروء والمسموع والمرئي، باستثناء العربي في أستراليا، يوم دخل زهير الصديق الشاهد في جريمة الرئيس الحريري فجأة، ليدلي بإفادة جديدة غيّرت مجرى التحقيق، بينما كانت يارا تلتقي المعارض السوري هيثم المالح، فطلب الصديق عدم التصوير أولاً، لكنه أكمل تهديده تحت عدسة الكاميرا.
يارا بو ملحم.. تمكنت بذكائها الاعلامي من أن تضعنا، كلبنانيين، على خريطة العالم، بينما غيرها، من أبناء وطنها، ممن تبوّأ المراكز الحكومية العالية، وخان الأمانة، جعلنا نلعن الساعة على وجوده بيننا.
وصدقوني، إذا قلت، أن يارا التي تشاهدونها في الفيديو المرفق، ستجعلنا كإعلاميين عرضة للسخرية: هي تزحف في الخنادق ونحن نجلس وراء المكاتب الفخمة وندعي النبوّة الاعلامية. هي تدخل السجون الليبية المعتمة ونحن نتسابق للإنتفاخ على طاولات الشرف كطواويس ملونة. هي تنتقل من بلد الى بلد ونحن ننتقل من مائدة الى مائدة كأبناء آوى. هي تحصد الجوائز العالمية ونحن نطالب أياً كان، تحت التهديد والوعيد، أن يمنحنا تنكة ما، شرط أن يكتب اسمنا عليها.
يارا بو ملحم.. غيّرت المعادلة الصحفية بوقت زمني قصير، ليس في أستراليا فحسب، بل في العالم أجمع، وجعلت أشهر الوكالات العالمية تنتظر جديدها المبهر.. لتتسابق في توزيعه ونشره.
إنها الزهرة اللبنانية التي أعادت لنا الثقة بلبنانيتنا في أستراليا، بعد أن أجبرونا على التخلي منها.
يارا.. مهما قلنا سنظل عاجزين عن التعبير عن افتخارنا بك. ولكن تأكّدي من أن قلوبنا معك، وصلواتنا تحرسك أينما كنتِ. أتعرفين لماذا؟ لأننا نحبك.