حفلات الجالية.. تسبب الصداع

إذا قادك سوء حظك لحضور حفلة ما من حفلات جاليتنا، تأكّد من أنك تحمل في جيبك كمية كبيرة من حبوب "البانادول" والبناماكس" "والاسبرين" وغيرها من المسكنات التي تخفف من الصداع، لأنك ستبتلعها حتماً، وستوزّعها مجاناً على الجالسين على طاولتك، وإلا لن تكتمل سهرتك، وستحملك رجلاك إلى البيت، لا بل الى السرير، ولسان حالك يردد: آخ يا راسي.
يقول الصديق جميل البابا ان الصداع لا يأتيه إلا في حفلات الجالية، فصوت الموسيقى المرتفع جداً لا يسبب ألماً في الرأس فحسب، بل يقضي على ما تبقّى من أوتارك السمعية، وقد يسبب لك الطرش.
ذات يوم، حضرت عرساً، كلّف أصحابه مالاً كثيراً، أي أنهم "جخّوا" عليه، لدرجة أذهلوا بها مدعويهم، فكل ما تطلبه العين، وتشتهيه المعدة موجود، وما عليك إلا أن تشحذ شهيتك وتأكل. شيء واحد دمّر العرس، وجعله على كل شفة ولسان، لا بل لعن المدعوون ساعة مجيئهم اليه، ألا وهو الموسيقى الصاخبة. أجل صوت الميكرفونات العالي حول الفرح الى ترح.
والجدير بالذكر ان العديد من المدعووين، بمن فيهم أنا، طالبوا بتخفيف الصوت عدة مرات، ولكن على من تقرع مزاميرك يا داوود، المسؤول عن الصوت في واد والمدعووين في واد آخر.
المراحيض النسائية والرجالية امتلأت بالناس، لا لاستعمالها، بل هرباً من صخب الموسيقى، ومن بقي في القاعة لجأ الى المحارم الورقية، فدوّرها كالسيجارة وشكّها في أذنيه، بما فيهم والد العروس، فرحنا نتطلّع ببعضنا البعض ونضحك.. إذ أصبح منظرنا أشبه ما يكون بمخلوقات فضائية قادمة من كوكب مجهول والاوراق الملونة تتدلى من آذانها. هذه حقيقة والله.
إذا كنتم في حفل ساهر، راقبوا الناس الداخلين الى القاعة جيداً، ستجدون أن أول شيء يفعلونه هو التطلع نحو "المايكرفونات": أين هي؟ كم تبعد عن طاولتهم؟ وما مدى الازعاج الذي قد تسببه لهم؟.. انها، وباختصار شديد، تخيفهم. أجل تخيفهم.
وستلاحظون أيضاً كيف حوّلت الموسيقى الصاخبة جميع المدعووين الى طرشان، يتحادثون مع بعضهم البعض عن طريق الاشارة، أو الكتابة. وقد لا أبالغ اذا قلت انني خسرت صوتي عدة مرّات وأنا أحاول أن أرفعه على صوت الموسيقى كي أكلّم الجالس قربي.
والغريب حقاً أن البهجة لا تعود الى الحاضرين إلا اذا توقفت الموسيقى عن العزف، عندها تجدون أن الابتسامات المشرقة قد عادت الى الشفاه، والأحاديث الشيقة بدأت تتطاير بين الأصدقاء، خاصة أولئك الذين لا يلتقون الا في المناسبات؟
فما العمل إذن، كي ننقذ الناس من آلام الراس؟  
أولاً، علينا أن نطلب من أصحاب الصالات الحد من الصخب الموسيقي، قبل أن نطلب منهم زيادة المازات وما شابه.
ثانياً، الاستعانة بمهندسي صوت محترفين، يعرفون جيداً كيف يوزّعون الميكرفونات في الصالة كي لا يفتك بنا الصداع.
ثالثاً، شراء "سدتين" مطاطيتين للاذنين، لأن المحارم الورقية لن تنفع. والمثل يقول: اسألوا مجرباً ولا تسألوا طبيباً، وقد جرّبتها ولم تحجب الصوت.
أخيراً، أتمنى لكم سهرة ممتعة. والى اللقاء.