مرّ على طائفتنا المارونية في أستراليا ثلاثة مطارنة حتى الآن، الأول هو المثلث الرحمات المطران عبده خليفة، وقد ربطتني به صداقة أدبية متينة لدرجة قدّم خلالها ديواني "ألله ونقطة زيت" بصفحات كادت تفوق عدد صفحات الديوان، ضارباً عرض الحائط بتهجماتي الموجعة على كافة رجال الدين.
والثاني، هو المطران يوسف حتّي، أطال الله بعمره، وقد شارك بتكريمي في يوبيلي الفضي الى جانب مفتي أستراليا الشيخ تاج الدين الهلالي، بكلمة رائعة جعلتني أتقرّب منه وأتعرّف عليه أكثر فأكثر.
أما الثالث، فهو المطران عاد أبي كرم، وقد رعى الطائفة المارونية يوم قرّرت الابتعاد عن الأدب والاعلام، ولهذا، لم ألتقِ به وجهاً لوجه، لا في الاحتفالات والمناسبات ولا في الكنيسة ولا في أي مكان آخر، وهذا ما سيؤلمني كثيراً.
أما الآن، وقد عين قداسة البابا فرنسيس الأول حضرة الأب أنطوان طربيه أسقفاً جديداً على أبرشية أستراليا المارونية، وقد التقيته عدة مرات، لا يسعني إلا أن أرمي بين يديه باقةً من تمنياتي، أرجو أن يتقبّلها بروح إيجابية كما هو معروف عنه، لأنني ما أردت منها سوى الخير لطائفة أتشرّف بالانتماء إليها.
سئلت مرة كيف تريد أن يكون مطرانك الجديد فقلت:
أريد مطراناً لا يُعلّقُ الصليب، بل يُعلّق عليه، كالفادي تماماً، من أجل خلاصنا.
أريد مطراناً يملأ القلوب إيماناً ورحمة، وليس "مطرةً" يملؤها المراؤون والفريسيون برذاذ لعابهم الكاذب، المخادع والسام.
أريد مطراناً لا يتخلّى عن أصحابه القدامى، بل يتخلّى عن تدخّلهم السّافر في شؤون أبرشيته.
أريد مطراناً يعترف بصلة الرحم، شرط أن يميّز بين قرابته كإنسان، وأبوّته لرعية تنظر إليه كوالد.
أريد مطراناً لا يتراكض من أجل الظهور الإعلامي، بل يتراكض الاعلاميون من أجل الظهور معه.
أريد مطراناً يعامل كهنته كما عامل السيّد المسيح تلامذته، يعظهم بحكمة، يوجههم بإيمان، يطعمهم بعطف، ويغسل أقدامهم بتواضع المعلّم الأكبر. وهكذا تستقيم الرعية.. ويفرح الراعي.
أريد مطراناً يؤمن أن "نور العالم" ما جاء كرمى لعيون المسيحيين فقط، بل ليفدي الناس أجمع. وأن كنيسته لن تفرحه ما لم تصبح كنيسة واحدة جامعة رسولية.
أريد مطراناً إذا دخل مجلساً لا تهب الأقدام وقوفاً له، بل تهب القلوب لملاقاته، كون الأقدام إذا تحرّكت يتطاير الغبار المزعج، أما القلوب إذا وقفت إجلالاً ينهمر فرح الله تعالى ويغمر الكون كله.
أريد مطراناً لا يتشرّف برتبته، بل تتشرّف الرتبة به.
أريد مطراناً لا تهمه مصلحته، بل مصلحة أبرشيته.
أريد مطراناً يعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.. لأنه تراب والى التراب يعود.
أريد مطراناً لا يعامل أغنياء طائفته كأسياد، وفقراءها كعبيد، بل يحضنهم تحت جناحيه كما تحضن الدجاجة فراخها، إذ لا يحق للراعي الصالح التمييز بين خرافه، هي له الأبرشية، وهو لها القدوة.
أريد مطراناً إذا نظرت إليه أقول في سرّي، وبفرح غامر: إني أرى قديساً حياً.. هللويا.
وأخيراً، اريد مطراناً اسمه أنطوان طربيه، لا غير، كي لا يختلط عليّ، وعلى أمثالي من المؤمنين، اسم الراعي الذي سيقودنا الى حظيرة الرب. عندها نعلّق على صدره أرزة من أرزات بلدته تنورين.
سيّدنا.. ألف مبروك.