جميل الدويهي.. يجمّل جريدة المستقبل

   قد يغضب منّي صديقي الاعلامي العتيق جوزيف خوري عندما يعلم أنني توقّفت عن قراءة جريدة "المستقبل" لسنوات طويلة، لألف سبب وسبب.
   ولكنني منذ أسبوع عدت الى "المستقبل" مطالعاً شرهاً، كيف لا، وقد أصبح مديرها الدكتور الشاعر جميل الدويهي.
"جميلنا" كما يحلو لي أن أناديه، أعجبت بقلمه لحظة وصوله الى أستراليا، أي منذ ربع قرن وأكثر. وها هو يعود الى الاعلام الورقي ليعيدنا اليه قارئين متلذذين بالكلمة الهادفة البعيدة عن التبجح و"الشاو أوف.. أنا، أنا". فالنبع الغزير لا يتباهى بمياهه، لأنه يدرك تماماً أنها عطية الله له، وهكذا الموهبة الفذة، فهي عطية الله للمختارين من مخلوقاته. وجميل كما هو معروف لا يضع اسمه على المقابلات التي يجريها، ولا ينشر صورته في هذه المقابلات احتراماً للوسيلة الإعلامية التي يعمل بها. كما أنّه لا يذيّل مقالاته السياسية باسمه.
   أهداني "جميلنا" كتابه "طائر الهامة" يوم كان في لبنان، فلم أتجاسر بالكتابة عنه، لأن لغته كانت رفيعة جداً، لدرجة تتشاوف بها على الشعر، فكتبت له عبارة واحدة تقول: "نثرك في "طائر الهامة" شعر يا دكتور جميل". وأعتقد أنني أعطيت الكتاب حقّه بهذه العبارة، لأن المرأة الجميلة لا تنتظر من الرجل الذي تحبّه خطاباً مطولاً يشرح به حبّه لها، بل تتلهف الى سماع كلمة واحدة: "أحبك"، لتحلق في عالم لا يطأه إلا المحبّون.
   وعندما نشرت له قصيدة مئوية الشاعر العملاق سعيد عقل، رحت أطالعها بشغف وإعجاب. إنها معلّقة إعجازية رائعة. وما أن التقيته وجهاً لوجه، حتى همست في أذنه: قصيدتك لسعيد عقل لا تقل مهارة عن شعر سعيد عقل.
ومنذ أسبوعين أهديته ما أهداني من مقالات نقدية جمعتها له في كتاب بعنوان "شربل بعيني شاعر الغربة السوداء"، منحه عليه معهد الأبجدية في جبيل "جائزة شربل بعيني لعام 2014"، فاتصل بي العديد من الأصدقاء الذين قرأوا الكتاب إلكترونياً وورقياً، وهم يصرخون: جميل ينتقدك بشدة، وأنت تنشر انتقاداته لك في كتاب، يمنح عليه جائزة.. صحيح أنك جننت؟!
وها أنا أعترف الآن، أنني عملت بمعظم انتقادات جميل لي، خاصة حين استبدل بيتي الشعري القائل: "مثل كلب أسكتوه بالعظام"، بهذا البيت "ككلاب أسكتوها بالعظام" ومن يقرأ قصيدة "لعنة الله علينا" يجد أنني أثبت كلام جميل في القصيدة، ورميت في سلّة المهملات كلامي. أفلا يستحق "الجميل" جائزة ثانية؟ بلى والله.
   الشاعر الذي يخاف النقد، ليس بشاعر. إنه طرطور جبان، خاصة اذا كان هذا النقد مفيداً من أجل دعم حركتنا الأدبية المهجرية، وتقويم مسارها.
   الى الخائفين من عودة جميل الدويهي الى الساحة الاعلامية والادبية أقول: لا تخافوا.. فـ"جميلنا" لن يحارب أحداً، بل سيمد يده للجميع من أجل النهوض من كبوة أدبية عانينا منها لسنوات طويلة.
أهلا فيك يا دكتور.