جبل المقطّم: بيت وقلعة

   يتّهم بعض المصريين جبل المقطم بأنه وراء تلوّث هواء القاهرة، بسبب أتربته الكثيرة المتطايرة.. وهو، بالفعل، جبل ترابي يقع في وسط القاهرة، ويشتهر ببنائين: الأول ارتفع فوق قمته وهو بيت المناضل الإنساني الحر الدكتور رفعت السعيد، والثاني ارتفع قبالته وهو قلعة البطل العربي الشهير صلاح الدين الأيّوبي.
   القلعة تحت الحراسة الدائمة، والبيت أيضاً.. وأعتقد أن البيت حراسته مشددة أكثر من القلعة، وأن حرّاسه لا يمزحون مع أحد، والصورة التي التقطتها مع أحد الحرّاس لا تعني أبداً أنهم متساهلون مع الزوار الحشريين، أو مع من تخوّله نفسه مراقبة البيت أو مهاجمته، لا سمح اللـه.
   الخطأ الأمني الوحيد الذي لاحظناه، أن للجبل شارعاً واحداً يحمل اسمه: شارع المقطم، وهذا ما يشلّ حركة التمويه، التي يتّبعها جميع زعماء العالـم.. فالخروج من الجبل والدخول إليه يتـم من شارع المقطّم.. أي أن سكانه مكشوفون ومعرضون أكثر من غيرهم للملاحقة وللإغتيال.. وفي وسط هذا الشارع، وعلى الرقم 48، بنى الدكتور رفعت السعيد عمارة شاهقة مؤلفة من أربعة طوابق، أهدى مكتبته طابقاً كاملاً، وسكن وعائلته في باقي الطوابق. أما الحرّاس فلقد وهبهم المرآب، أي الكاراج.. 
  منزله هو سجنه الدائم.. وقد لا أبالغ إذا قلت ان السجن الذي دخله عدة مرات كان أخف عذاباً على الدكتور رفعت من الثاني.. لأن الإنسان الذي لا يقدر على التنقل بحرية من عمله إلى بيته.. هو إنسان معذّب ومسجون أبد الدهر في وطنه.. فكيف الحال لو أخبرتكم أن الدكتور رفعت لا يحق له التنقل إلا ضمن خطوط محددة.. جريمته الوحيدة أنه يدافع عن حق الأقباط في المواطنية الصحيحة، وعن حق الأقليات في العيش المشرّف.. وعن حق المصريين، كل المصريين، بالتمتع بالحرية المطلقة، وبالديمقراطية التي لا يشوبها شائب، ولا يشوّهها مخبر!!.. وأنه يريد أن يجعل من مصر دولة عصرية بكل ما لهذه الكلمة من معنى.. تحضن إنسانها بحنان الأم وعطف الأرض المعطاء.
   أتربة جبل المقطّم لا تلوّث البيئة في مصر، بل تزيدها عنفواناً وحرية وسلاماً.. وهنيئاً لمن يسكنه أو يتنشّق هواءه المنعش الجميل.