إعصار كاترينا.. وثرثرات المتدينين

   ما أن تقع كارثة طبيعية في العالم، حتى تبدأ صولات وجولات من التأويلات والثرثرات حول تلك الكارثة، خاصة من المتدينين الذين يعرفون ما لا يعرفه الله تعالى من أسرار سماوية ودنيوية، لا فرق من أي دين كانوا، أو لأي طائفة انتسبوا، المهم أن يدلوا بدلوهم. فكم بالحري إذا كانت الكارثة قد وقعت في أقوى دول العالم، وأكثرها تقدماً، عنيت بذلك أميركا، هنا تثور شماتة البعض وتعصف، ويتطاير لعابهم.
   مدينة نيو أورليانز الأميركية ما زالت تفتش عن ضحايا إعصارها في الشوارع والأزقة والمنازل والأنهر والمستنقعات، لتدفنهم، قبل أن تحصد الأوبئة ما عجز الإعصار عن حصاده، ومع ذلك ما زلنا نقرأ من التفاهات ما تقشعر له الأبدان، وتتقيأ من سماعه الآذان، وإليكم بعض ما قرأت وسمعت، فتأهبّوا:
   بعض المسيحيين المتدينين يعتبر أن ما أصاب نيو أورليانز يشبه تماماً ما أصاب البشرية من فيضانات أيام نبينا نوح، الذي بنى سفينة عملاقة، أكبر من البوارج الحربية، لتتسع لجميع أنواع الحيوانات والطيور والزواحف والنباتات والبشر إلى آخره، كي لا تنقرض مخلوقات الله بسبب غضبه من تصرفات البشر اللا مسؤولة. فمات كل شيء، ولم يبق لنا إلا ما حفظه سيدنا نوح في سفينته، الذي أصبح، عن حق، بعد أبينا آدم، والد هذه البشرية التعيسة التي ما زالت تتخبط بالآثام وتجلب على نفسها لعنة الله وغضبه. وتناسى هذا البعض أن يشرح لنا سبب الجفاف الذي يصيب الكثير من البلدان، وعلى رأسها أستراليا، فيتلف مزروعاتها، ويقضي على إنسانها وحيوانها وطيورها، ويصحّر بساتينها، ويدمّر اقتصادها. 
   بعض المسلمين يعتبر أن إعصار كاترينا ما هو إلا لعنة إلهية أصابت الولايات المتحدة الأميركية لتتعظ، وتسحب جيوشها من العراق وأفغانستان، وتساعد الفلسطينيين على استرداد وطنهم المسلوب، وأن توقف تدخلها بمصير الشعوب وفرض ديمقراطيتها عليهم، وتبديل أنظمتهم المؤمنة بأنظمة كافرة. وتناسوا أن يشرحوا لنا سبب الزلازل التي ضربت وما زالت تضرب تركيا وإيران وغيرهما من الدول الإسلامية، هذا إذا عجزوا عن تفسير أسباب التسونامي الذي ابتلع كل شيء في جزيرة أتشيه (سومطرة) الأندونيسية، وماذا فعلوا لمساعدة آلاف الضحايا من إخوانهم المسلمين الأبرياء، الذين كانوا في أسوأ حال، لولا استنهاض الهمم في الدول الغربية، وتبرع دولها السخي لإعمار ما ابتلعه التسونامي، أو هدمته الزلازل، دون التفات إلى دين أو عرق أو لغة.
   بعض اليهود، اعتبر أن اللعنة قد حلت على الولايات المتحدة، وعلى الرئيس جورج بوش بالذات، لأنه أيّد الإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، ولكي لا يذكره أحد بأن أميركا صديقة إسرائيل الوفية، راح يفلسف الأمور على ذوقه ويعدنا بكوارث طبيعية كثيرة بسبب إهمال تدريس التوراة في كل بقعة من بقاع الأرض، فلو كان السود، أي سكان نيو أورليانز، على حد تعبير هذا البعض، يدرسون التوراة لما أصابهم ذلك الإعصار، وإذا لم يبدأوا بدراستها سيقضون غرقاً لا محالة.. فتصوروا.
   سألت أحد البوذيين عن رأيه بإعصار كاترينا، فقال وهو يتطلع بتمثال بوذا الموضوع في خزانة زجاجية أمام محله التجاري في منطقة (كبراماتا ـ سيدني): لتجلب لنفسك حظاً سعيداً كل يوم، أنر شمعة أمام تمثال بوذا، وقدم له بعض الفاكهة، فيرد عنك وعن مدينتك المصائب، وتناسى أخونا أن ملايين الشموع تضاء كل يوم في تايلاند البوذية دون أن تتمكن من رد موجة واحدة من موجات التسونامي القاتلة التي ضربتها.
   أما صديقي اللا ديني فقد اعتبر أن ما يصيب البشرية من كوارث طبيعية مرده تطاحن الأديان ومحاربتها لبعضها البعض، وتكالبها على زيادة أتباعها، وتكفيرها لكل من ليس معها، ولو كان الله راضياً عن تصرفاتها لأبعد عن شعوبها الكوارث. 
   يقول المثل الشعبي: ما أن تقع البقرة حتى يتكاثر السلاخون. أما أنا فأقول: ما أن تقع كارثة طبيعية في العالم، وخاصة في أميركا، حتى يتكاثر الثرثارون.. فنجنا أللهم من ثرثرات المتدينين، آمين.