هزني خبر قرأته عن شربل حاماتي الوالد اللبناني المسجون في الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن وجهت إليه تهمة التحرش الجنسي بابنه البالغ من العمر أربعة أشهر لا غير. وكان شربل قد التقط بعض الصور لابنه عارياً (من الزنّار ونازل)، وأرسل الفيلم إلى التظهير، وبدلاً من استلام الصور، استلمه البوليس الأميركي وأودعه بيت خالته.
بربكم، من يتحرّش بطفل رضيع بهذا العمر وهذا الحجم؟ إنه مجرد قطعة لحمية صغيرة قد لا يشتهيها إلاّ حيوان (الدينغو) الذي افترس الطفلة الأسترالية أزاريا تشمبرلن، واتهموا والديها بقتلها، إلى أن اعترف أحدهم، بعد سنوالت طويلة، بأنه ورفاقه وجدوا جثمان الطفلة، فأخفوه، خوفاً من الملاحقة، ودفنوه في مدينة مالبورن. كما أن جسد طفل محفّض كهذا، قد لا يثير غرائز المهووسين جنسياً، فكم بالأحرى والده!. وأجزم أن (سميي شربل) قد طار صوابه من شدة الفرح، عندما أنجبت له زوجته طفلاً ذكراً، فراح يقبّله، كعادتنا نحن الشرقيين، في جميع أنحاء جسمه، غير عابىء بالقانون، أو بشرطة مدينة (رالي) الأميركية، أو بجميع قضاة ولاية كارولينا الشمالية، ولسان حاله يردد: هذا إبني وأنا حر به.
مسكين ابن الحاماتي، فلقد تمسّك بعاداته الشرقية حدّ العمى، ولم يتأقلم، ككثيرين مثله، مع عادات البلاد التي اختارها لسكنه، ولتنشئة عائلته، وتناسى أن القوانين في الدول الراقية لا ترحم أباً ولا أماً، ولا تعترف بحنوٍّ، أو بمحبّة، أو بفرح أبوي.
قد تتعجبون إذا أخبرتكم أن قصصاً كثيرة، كهذه، تحدث في جاليتنا العربية في أستراليا، ولكن البوليس الأسترالي بدأ يتفهّمها، ويغض النظر عنها، بعد أن يوجّه إنذاراً لعائلة الطفل (المجنى عليه!)، حسب القوانين المرعية.
ومن هذه القصص الكثيرة، اخترت لكم قصة حدثت في (معهد سيدة لبنان ـ هاريس بارك، سيدني) منذ 20 عاماً تقريباً.. فلقد همس أحد الأطفال في أذن معلمته أن عمّه القادم حديثاً من لبنان يقبّله بين فخذيه، فجن جنونها، وأسرعت إلى مكتبي بغية استعمال الهاتف، ولم يدر بخلدي أنها ستتصل بالشرطة، إلاّ عندما سمعتها تقول: هناك طفل في صفي أخبرني أن عمّه يقبله في مكان محرّم، وأعطتهم عنوان المدرسة، وغادرت المكتب دون أن تشرح لي الأمر. فلقد كان السمّ ينقّط من وجهها، ليس حبّاً بالطفل بل خوفاً من أن يطالها القانون الأسترالي الصارم، الذي يجبر المعلمين على إبلاغ الشرطة بكل ما يسمعون من قصص تتعلّق بالتحرش الجنسي أو بالضرب، وإلا تعرضوا هم للملاحقة القانونية. فلحقتها إلى الصفّ، وطلبت منها إرسال الطفل الضحية إلى مكتبي، كوني المسؤول عن التربية والأخلاق في المعهد. وفجأة، دخل إلى مكتبي رجل وامرأة، لست أدري كيف وصلا بهذه السرعة، وقالا أنهما من دائرة مكافحة التحرش الجنسي في ولاية نيوساوث ويلز، وسألا عن تلميذ في الصف الرابع الإبتدائي اسمه سركيس. فأشرت إليه وقلت: هذا هو، ولكن قبل أن تقوما بأي إجراء قانوني، هل لي أن أسأله أمامكما بعض الأسئلة، فوافقا على ذلك. فسألته وهما يصغيان إلى كل كلمة أتفوّه بها:
ـ ما اسمك؟
ـ سركيس..
ـ وما اسم عمك؟
ـ سركيس..
ـ أنت تحمل اسم عمك إذن..
ـ نعم..
ـ متى جاء عمّك من لبنان؟
ـ منذ أسبوع تقريباً..
ـ ولماذا جاء إلى أستراليا؟
ـ حتى يراني.. فأنا أحمل اسمه في العائلة..
ـ إذن هو فرحان بك كثيراً..
ـ نعم..
ـ وماذا يقول لك عندما يقبّلك بين فخذيك؟
ـ يقول لي: أريدك أن تكون رجلاً كعمّك..
ـ وبعد ذلك؟
ـ يحملني في الفضاء ويصيح: سركيس الصغير هو أنا.. أفهمتم؟
ـ هل كان يقبّلك أمام والديك..
ـ نعم.. وأمام إخوتي أيضاً..
ـ أتدري أن البوليس سيعتقل عمّك بسبب تقبيله لك بين فخذيك، وسيأخذه إلى السجن.
ـ لن أدعهم يفعلون ذلك.. أنا أحب عمّي كثيراً.. سأعضهم.
ـ هل ستقول لهم ذلك متى جاؤوا إلى هنا..
ـ أجل.. وسأشتمهم أيضاً..
ـ الرجل والمرأة الواقفان أمامك من شرطة الولاية، فماذا ستقول لهما؟
ولم أكن أدري أن طفلاً كسركيس، لم يستقبل ربيعه الثامن بعد، سيكون قوياً وجباراً إلى هذا الحد، وسيهجم عليهما محاولاً رفسهما برجليه الصغيرتين، وهو يصيح:
ـ أخرجا من هنا.. أنا أحب عمّي كثيراً، ولن أدعكما تأخذانه إلى السجن.
عندئذ، التفت إليهما وقلت: أتصدقان أن عمّي قد قبّلني مئات المرات عندما كنت صغيراً، تماماً كما فعل عم هذا الطفل. وأن عمتي تحملني عارياً في إحدى الصور وأنا ابن 3 أشهر، وقد نشرت هذه الصورة في كتاب (شربل بعيني بأقلامهم)، إنها عاداتنا اللبنانية، هكذا نفرح بالطفل الذكر عندما يرزقنا إيّاه الله.. فأرجوكما أن تتركا المسألة بين يديّ، وأعدكما بأنني سأتصل بعم الطفل، وسأحذّره من تقبيله في الأماكن المحرمة، وإلا سيلاحق قانونياً.
والمضحك في الأمر، أن العم سركيس لـم يقتنع بأقوالي، ولم يأخذ تحذيري له بجدية، بل راح يشتم أستراليا وقوانينها التي تمنعه من تقبيل ابن أخيه أينما شاء. وأقسم برحمة أبيه وأمه ثلاث مرّات، أنه لن يبقى يوماً واحداً في بلاد لا تحترم شعوره ولا تفهم عاداته، وغادرها في الحال.
قصة حقيقية، رميتها أمامكم، علّها تساعد عائلة شربل حاماتي من بعيد أو قريب أثناء محاكمته، فقد يتفهّم القاضي الأميركي عاداتنا اللبنانية كما تفهّمها البوليس الأسترالي، وتعامل معها بمرونة يشكر عليها، أنقذت حياة إنسان لبناني جاءنا ضيفاً، فكادت محبته لابن أخيه أن ترميه في السجن.
من حسن حظ القاضي الأميركي أن ابن شربل حاماتي لا يرفس ولا يتكلّم، وإلا لكان أصابه ما أصاب البوليس الأسترالي من رفسات تلميذي سركيس، ولسمع (الحاماتي) الصغير يصيح بوجهه وهو يبكي: اطلق سراح أبي.. فأنا أحبه.
إذا كان شربل حاماتي ما زال في السجن، أطلقوا سراحه وسراح صوره، وشرّفوه على صحن كبة وكأس عرق احتفاء بمولوده الذكر. عقبى لغيره إن شاء الله، ولكن بدون صور.