أنحس من الأوّل

   كان المطران عبده خليفة، رحمه اللـه، صاحب نكتة من الطراز الأول، تحسّ، وأنت تسمعه، أنّك أمام لاهوتي فيلسوف يتسلّح بالدعابة من أجل الوصول إلى أعماق زائره. وكان، في كل مرّة أزوره بها، يسمعني الكثير من الطرائف التي تنسيك غربتك الطويلة. 
   من نكاته الكثيرة، أنقل إليكم هاتين النكتتين:
    كان الأستاذ شكري القرداحي من كبار المتشرّعين في لبنان، كتب كتاب (الإيمان تحت قبّة الأكاديميّة الفرنسيّة)، وطلب من إبنه بيار أن يهديه لجريدة اللوموند، بغية إبداء الرأي به. فما كان من الجريدة إلاّ أن عرّفت بالاستاذ قرداحي، رئيس محكمة التمييز، على أنه (مسلم عظيم) من لبنان، فثار غضبه، وطلب من إبنه بيار الإتصال حالاً بالجريدة لتصحيح الخطأ، كيف لا، وهو من طائفة الروم الأورثوذكس.
   وفي اليوم التالي صدرت الجريدة، وقد صحّحت خطأها بأن وصفته (بالماروني الكبير)، فصاح بأعلى صوته:
ـ أنحس من الأوّل يا لوموند.. أنحس من الأوّل.
   أمّا النكتة الثانية فتقول:
   أراد الأب شعيا الأسمر، رئيس الرهبانيّة الأنطونيّة، أن يزور أحد الزعماء اللبنانيين في مدينة زحلة. والظاهر أن الزعيم كان غائباً وقتئذ عن البيت، وكانت أمّه تخاف من زيارات الرهبان، خوفها من التجاعيد الكثيرة التي بدأت تغزو وجهها البشع جداً جداً.
   وما أن قرع الأب شعيا الباب، حتّى فتحته الأم وهي تصرخ بأعلى صوتها:
ـ إسـم الصّليب يا بونا.. إسم الصّليب.
   فصاح الأب شعيا وهو يتراجع إلى الوراء:
ـ خلّيها علينا يا بنتي.. خلّيها علينا.