نحن، وللأسف، مهما تغرّبنا، نظل أبناء العادات والتقاليد، نسير عليها
كالبلهاء، ننفذها بحذافيرها كالببغاء، نحترمها كما نحترم القديسين والأنبياء.
والويل ثم الويل لمن يزيح عنها، أو يتلاعب بها، فمصيره الجحيم الأرضي لا محالة..
إذ ينقلب الكل ضده، لا لشيء سوى لأنه انقلب على عادات وتقاليد أجداده.
وقد لا أضيف شيئاً الى معلوماتكم إن أخبرتكم أن لكل شعب عاداته وتقاليده،
فعادات الشعب اللبناني تختلف تماماً عن عادات الشعب الأسترالي، الذي أصبحنا والحمد
لله منه. وهكذا الحال مع كافة شعوب الأرض.
مثلاً:
إذا مات شخص لبناني، لبسنا الأسود كالغربان، ولطمنا الخدود، وعفّرنا الجبين،
وامتنعنا عن ملذات الدنيا. بينما إذا مات شخص أسترالي لبسوا الأحمر والأصفر
والأخضر كالطاوويس، ودعوا الجميع الى تناول الكحول على شرف الفقيد الغالي.
ثم،
وهذا الأهم، لا يقفون كرأس الشقعة، ولا يدفشّون بعضهم بعضاً بغية "الأخذ
بالخاطر"، بل يخرجون من الكنيسة ويتحادثون ثم يذهب كل واحد الى بيته.
قديماً، كان "الأخذ بالخاطر" عندنا
من أخطر ما يكون، الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود، إذ يقف المئات، كي لا أقول
الآلاف، من أجل أن يسلّموا ويحضنوا ويبوّسوا ويولولوا ويظهروا محبتهم العمياء،
ضاربين عرض الحائط بأعصاب أهل الفقيد المساكين، ناهيكم عن أعصاب المئات من المعزين
الواقفين وراءهم ونيران الغضب تتأجج في أبدانهم.
أما اليوم، فقد عملت بعض الكنائس على تلافي مثل
هذه العادات السيئة، إذ نصبت حاجزاً بين أهل الفقيد والمعزين، وما عليكم سوى السير
بسرعة وانتم تضعون اليد على صدوركم، وتهمسون بعبارة، طالما همستموها في العزاء:
ألله يرحمه.
ورغم التخلّص من التبويس والشمّ والضمّ
والنحيب والولولة، بقيت خطة الكنائس، أي وضع الحاجز، ناقصة، لا تفي بالغرض المطلوب،
أي أنها لم تخفّف من تزاحم المعزين بغية القيام بالواجب، والذهاب كل في حال سبيله.
وصدّقوني ان الارهاق الشديد لا يقع على
المعزين فقط بقدر ما يقع على أهل الميت، كونهم يقفون لساعات، بل لأيام، أمام حشد
هائل من المحبين، فتخيّلوا مدى التعب الذي يجتاحهم.
ما العمل إذن؟
هناك حلاّن، لا ثالث لهما، الأول أن يطلب
الكاهن من كل من عزّى في البيت أن لا يعزّي أمام الكنيسة، وهكذا نحذف من الحشد
نصفه.
والثاني، أن نضع سجلاً أمام باب الكنيسة،
يوقّع عليه كل من حضر الجنازة، نسلّمه فيما بعد الى أهل الفقيد، وهكذا نحذف الحشد
كاملاً، لا ربعه ولا نصفه.
تقولون: قد يوقّع أي كان اسمه وأسماء باقي
عشيرته دون أن يحضر منهم أحد، وهنا يبدأ التزوير، ويضيع الحابل بالنابل.
ولتلافي مثل هذا العمل السيىء السخيف، نطلب
من أحد أقرباء الفقيد الاشراف على سجل التعازي ومراقبة الموقعين، وهكذا نتخلّى عن
عادة التزوير السيئة التي اعتدنا عليها في لبنان وباقي الأوطان العربية.
أما إذا طرحنا هذين الحليّن للتصويت بغية
اختيار الافضل، فأنا واثق من أنكم ستصوّتون للحلّ الأول، كونه يتماشى أكثر مع العادات
والتقاليد.
رحم الله جميع الموتى ليرحم أهلهم وجميع المعزين
بهم أيضاً.