أيها الأحبّاء
عندما تُطفِىءُ جريدةٌ مهجريّةٌ شمعتَها الثامنة لتضيء التاسعة، فهذا يعني أن المشرفين عليها قد أحرقوا الليالي الطِّوالَ من أجل بقائها.
فالإعلامُ الجادُّ يتطلَّبُ أَرقاً وعرقاً، وإلاّ انهارت صفحاتُه كما ينهارُ البناءُ المشيَّدُ على رمل الشاطىء.
ولو لَمْ تكن جريدةُ العراقية رمزاً للإعلام الهادفِ المتألّقِ لما كنتُم هنا، ولما احتفلتُم بعيدها.
موفّق ساوا.. هذا المسرحيُّ الأكاديميُّ الفائز بجائزة شربل بعيني، عَرَفَ كيف يُمسرِحُ الإعلامَ االمهجريَّ ويخرجُهُ ليجعلَنا، بدون إدراكٍ منّا، أبطالَ مسرحِهِ هذا، ضارباً عرضَ الحائطِ بجنسياتِنا، ولهجاتِنا، وخلفياتِنا الدينيّةِ والمذهبيّةِ والسياسيةِ، لأنه أدركَ بحسّه الاعلامي والأدبي أن جريدةَ العراقيةَ ستوّحدُ الجميعَ، وستحضُنُ الجميعَ، وستكرّمُ الجميع، وإلاّ لما وهبَها إسمَ العراق، الوطنِ الأم، كي لا تكونَ أمومتُها عقيمةً ومشوّهة.
قد يختلفُ الاعلاميون مع بعضهم البعض لسبب أو لآخر،
قد تشرئبُّ أفاعي المحاربةِ هنا وهناك،
قد تصبحُ الساحةُ الإعلاميّةُ ساحةَ وغى، ولكن علينا أن نحافظ على شرفِ الكلمة وقيمتِها، والويلُ ثم الويلُ لنا إذا شوّهناها، لأننا بذلك نكونُ قد دمّرنا اللهَ فينا.. ألم نسمعْ ما قيل: في البدءِ كان الكلمة، والكلمةُ هو الله.
بعضُكم يعرِفون أنني كنت من أوائلِ الذينَ أصدروا صحفاً ومجلاتٍ ورقيةً وإلكترونيةً في أستراليا، ابتداءً من جريدة "صوت الأرز 1973" مروراً بمجلّة "ليلى 1995" وانتهاءً "بالغربة"، وكنت في كل مرّة أُصدرُ فيها مطبوعةً أقفُ أمامَ المرآةِ لأُنبّهَ نفسي: إياكَ أن تشتمَ أحداً.. إيّاكَ أن تُظهِرَ ضُعفَكَ.. فأنتَ لستَ بضعيف.
وها أنا بعد أربعين سنة من ممارسةِ الاعلامِ المهجري، أجدُ نفسي واقفاً، ليسَ أمامَ المرآةِ، بل وجهاً لوجهٍ أمام صديقٍ عزيزٍ اسمه موفّق ساوا، وبدون أن أفتحَ فمي لأُكلِّمَهُ، سمعتُه يقولُ لي: أنا لستُ ضعيفاً لأُحاربَ، أنا موفّق لأُوّفق.
وفّقك الله يا صديقي موفّق، معَ زوجتِك هيفاء وأولادِك، والاستاذ أحمد الياسري، وخاصّةً هذه العائلة الاعلامية الملتفة حولك وهي تردّد بفرح زائد: سنة حلوة يا جريدة العراقية.
قبل أن أختمَ كلمتي، أحب أن أهنّىءَ جميعَ المكرّمين، وخاصة أخي وصديقي ايلي عاقوري، الذي حملَ همَّ التراثِ الفلكلوري اللبناني على منكبيهِ، وراح يزرعُ الفرحَ في كلِّ مكان إلى أن حصدَه الليلةََ في عيد "العراقية" الثامن. فألف مبروك يا صديقي.. ليس لك وحدَك بل لكل اللبنانيين أينما وجدوا، فهل أجمل من أن يلتقي نهرُ الفرات بالليطاني ليكوّنا نهراً واحداً من المحبةِ والتقدير، نرتوي منه ساعةَ نشاء في غربتنا البعيدة هذه.
أيّها العراقيون الشرفاء.. شكراً لكم.