قليلون جداً جداً هم الذين يعرفون أنني أعشق الرقص لدرجة الجنون، فإذا ابتدأ بث أحد برامج الرقص، وما أكثرها والحمد لله، أقفل هاتفي النقّال، وأجلب بعض الفستق مع الليموناضة، وأغني مع عبد الحليم حافظ قصيدة أخي وصديقي المرحوم نزار قبّاني: إني أغرق.. أغرق.. أغرق. ولا ينقذني من الغرق سوى انتهاء الرقص.
وكنت، بدون مبالغة، أضع علامات الحكام قبل أن يضعوها، وتأتي، في معظم الأحيان متطابقة مع علاماتهم. كما أنني كنت أعرف من سيخرج من البرنامج قبل خروجه، وهذا كله بسبب تتبّعي للرقص وجنوني به.
وقد أكون مقصّراً في نقل فرحتي لكم عندما علمت أن تلفزيون "الـ أم تي في" سيعرض " برنامج الرقص مع النجوم" في وطني الحبيب لبنان.
بادىء ذي بدء لم أكن أعلم أن في لبنان راقصين وراقصات محترفات في التانغو والرامبا والسامبا والكويك ستاب إلى آخره، كنت أعتقد أن لبنان هو بلد الدبكة ليس إلا.
ومنذ الحلقة الأولى أعجبت برقص "وسام حنا"، وأقسم بالله العلي العظيم، لم أكن قد سمعت به من قبل، إلا من خلال الريبورتاج، كما أعجبت أيضاً بتفاني "ساندرا عباس" في إنجاح الرقصات، فكتبت على صفحتها هذه العبارة: جميع الراقصات يتمايلن مع الموسيقى، ما عدا ساندرا عبّاس فالموسيقى هي التي تتمايل معها.
وقد صدق ظنّي بوسام وساندرا، فلم يقفا مرة واحدة في دائرة الخطر، حتى وإن كانت علاماتهما منخفضة، نظراً لكثرة المعجبين المصوتين لهما حول العالم.
وبدأت سلسلة الرجال الراقصين تتفتّت بسرعة متناهية، ولم يبقَ في الساحة "الذكورية الراقصة" إلا وسام حنّا الرجل اللبناني الشرقي الذي عمل المستحيل كي ينجح.. فلقد رقص "الكويك ستاب" ورجله تؤلمه وحصل على أعلى نتيجة، وإن كانت بنظري غير كافية، لأنه يستأهل عليها أربع عشرات ذهبية.
وسام حنا وضع رجله، بمعاونة أروع راقصة في لبنان ساندرا عباس، على عتبة الفوز بكأس النجوم، لولا ظلم حكّام البرنامج.. وبخلهم المقرف عليه، فمن حصل على "التسعات" في أول البرنامج، وإن كان حماراُ بأربع آذان، سيحصل على عشرة في آخر البرنامج بسبب تمرسّه واتقانه للعديد من الخطوات التي تعلّمها.. إلا وسام حنّا! مع العلم أن "العشرات" تطايرت من بين أحناك الحكّام "الفناصين" وأعني ما أقول، وأصابت الذين زحطوا والذين لم يزحطوا.. إلا وسام حنّا.
وصدقوني إذا قلت أن الفرحة التي تملكتني عندما علمت ببث برنامج "الرقص مع النجوم" في لبنان تحولت الى حزن شديد وغضب جامح.. وأدركت أن "الواسطة" هناك هي التي تفلح.. وأن "الزعبرة"، حتى في البرامج الراقصة، أصبحت من تراثنا الوطني.. وأن "الضحك على الذقون" هو الدارج في وطن الأرز الخالد.
يا جماعة.. هناك أسئلة يجب الاجابة عليها وإلا ودّعوا الرقص في لبنان:
1ـ كيف يقف في دائرة الخطر من لم يقف طوال البرنامج حتى ساعة حصوله على علامات متدنيّة؟
2ـ كيف يمنح الحكّام عشرة لمن "تزحط" وهي ترقص، مع احترامي للجميع؟
3ـ كيف يرفع "حاكم" رقم العشرة لراقصة انتقد رقصتها عدة مرّات؟
4ـ كيف تسمح إدارة "الأم تي في" لأربعة حكّام أن يتلاعبو بأعصاب المشاهدين؟
5ـ نرجو من المشرفين على " برنامج الرقص مع النجوم" الإجابة على أسئلة إنسان أبله اسمه شربل بعيني، نشر أكثر من أربعين كتاباً ترجمت الى لغات عديدة وكرمته الدول عشرات المرّات، وقدّم حفلات أشهر الفنانين والفنانات، وكتب وأخرج 14 مسرحية راقصة للاطفال، قال عن إحداها الفنان دريد لحام: أن كل وزارات الثقافة العربية لن تأتي بمثلها.
ألا يحق لشاعر تمنى أن لا يكون "كاتباً" بل "راقصاً" لكثرة عشقه للرقص، أن يحصل على جواب مقنع؟ بلى والله.
هذا المقال سينشر في جريدة "العراقية" الورقية المهجرية أيضاً.