قد تتعجبون وأنتم تقرأون عنوان مقالي هذا، ولكنكم لو عرفتم كم من الأغبياء يتلطّون وراء مراكزهم الاعلامية بغية فرض أنفسهم، وكل من يدور في فلكهم، على المؤسسات والجمعيات والأفراد بغية الظهور ليس إلاّ، لوافقتم عليه ورفعتم لي أصابعكم كأغصان النخيل.
صحيح أن " الغربة" أصبحت أشهر من نار على علم في جميع البلدان، وأنها تتبنّى وتدعم النشاطات الضخمة في الوطن العربي، التي يحضرها مئات الآلاف، وليس عشرات الأشخاص كما يحدث هنا، وخير دليل على ذلك دعمها لمهرجان المسرح العربي في المغرب، كما ترون في الصورة المرفقة، التي التقطها مراسلنا العزيز علي مسعاد ليافطات معلقة في معظم شوارع الدار البيضاء.. ومع ذلك "فالغربة" لا تشرّفني.
منذ أسابيع زارني الأب الأديب يوسف جزراوي برفقة الشاعر العراقي المعروف وديع شامخ وسلّماني دعوة رسمية لحضور مهرجان أدبي رياضي بغية تكريم "مؤسسة الغربة الاعلامية"، فرفضت أن تكرّم "الغربة" لأنها كما قلت: لا تشرّفني.. ولكنني ثمّنت لهما الدعوة وشكرتهما على التفاتتهما الكريمة التي تعتبر في نظري أهم من التكريم.
كثيرون هم الذين يدعونني لحضور مناسباتهم المختلفة، أو للتحدّث بها، فأرفض بدون أي تردد، مخافة أن يفكّروا، كما يفكّرون مع غيري، أنني لن أنشر أخبارهم إلا إذا دعيت أو تكلّمت.. وهذا ما لن يحدث. أخبارهم ستنشر وأنا سأبقى في بيتي، متمسكاً بكرامتي الأدبية والإعلامية حتى آخر رمق من حياتي.
تصوروا أن يتكلّم شربل بعيني في احتفال كمسؤول عن مؤسسة الغربة الاعلامية، وليس كشاعر نشر أكثر من أربعين كتاباً، وكتبت عنه آلاف المقالات والقصائد.. أفلا يحق لي الاقتداء بيوضاس اللعين وتعليق حبل مشنقتي على غصن شجرة الأدب والكرامة.
أفلا يحق لي الابتعاد عن الساحة الأدبية أكثر مما ابتعدت. ويا ليتني لم أبتعد، فلقد وقعت الكارثة وانتفخت بالونات أدبية وإعلامية تطايرت في الفضاء لدرجة لم تعد ترى أحداً، حتى الذين شجّعوها ومدّوا لها يد المساعدة في بداية قدومها الى هذه البلاد التعيسة بها.
لماذا ابتعدت؟ سؤال طرحه علي العديد من المهتمين بالشأن الثقافي والاعلامي، بعد أن حمّلوني مسؤولية تدهور الوضع الأدبي بسبب هذا الابتعاد، وبروز مافيات أدبية وإعلامية تفرض من تريد وتقصي من تريد، وهذا ما لم يحصل أبداً على أيامي، وكيف يحصل ونحن في غربة تحتّم علينا الالتفاف والتكاتف بغية التغلب عليها.. وقد أوجدت، يومذاك، مع الشرفاء، نهضة أدبية شبهوها بالرابطة القلمية أيام زمان.
أما الآن، فيشارك في الندوات الأدبية والتكريمية ما هبّ ودبّ، شرط أن يشتري درعاً بثلاثين دولاراً ويقدّمه في الاحتفال. كسر الوزن الشعري أم لم يكسر، شمط أذن الصرف والنحو أم لم يشمط، بهدل اللغة العربية أم لم يبهدل.. المهم أن يدفع ثلاثين دولاراً ثمن درع سخيف لا يمثّل أحداً.
قد يقول قائل: الحق ليس عليهم بل على أعضاء الجمعيات والروابط الذين يخافون أن لا ينشروا إعلانهم عن المناسبة أو صورهم في المناسبة. وهذا عذر أقبح من ذنب، إذ لا يحق لهم استغلال ضعف هؤلاء بغية نفخ بالوناتهم أكثر فأكثر.
يا جماعة.. من يريد أن يتكلّم في الندوات الأدبية والشعرية يجب أن يكون أديباً أو شاعراً نشر مؤلفات تشهد له بذلك.. فإن ألقى قصيدة عليه أن يحلّق لا أن ينشّز، ومن قرأ نثراً عليه أن لا ينصب الفاعل ويرفع المفعول به كي لا يفعل به الجمهور ما يحق له أن يفعل. استحيوا بقى.. عيب.. عيب.. ندواتكم تسجل على أشرطة تذهب الى العالم أجمع وسيسخر منكم أناس ينزفون الشعر ويبدعون النثر وسيقهقهون حتى الاستلقاء على القفى.
أهذا ما تريدون؟ إذا أعطاكم الله المال والقوة أتسخرونهما للخير أم للشر؟.. للأدب أم لقلة الأدب؟.. لنشر المحبة أم لنشر الغسيل على السطوح؟.
أنتم تعرفون أن شربل بعيني يحبّكم.. يخاف عليكم وعلى كرامتكم، أكثر مما يخاف على نفسه وعلى كرامته.. ففاخروا بأعمالكم الجيّدة المفيدة المربحة لنا جميعاً.. ولا تفاخروا بقوتكم الاعلامية لأن هذه القوّة لن تدوم.. فلقد توقفت مئات الصحف من قبل.. فبربكم هل تتذكرون اسماً واحداً من أصحابها؟ أجل، نتذكّر العظماء منهم فقط، فطوبى لهم.
مهما انتفختم لن تتذكر الجالية سوى من أعطاها بصدق.. اعلامياً كان أم أديباً أم شاعراً أم تاجراً أم مواطناً عادياً.. فردّدوا معي إذن: مؤسساتنا الاعلامية لا تشرّفنا بل نحن من يشرّفها. حماكم الله.